بحقوق الله عز وجل، وفيما يتصل بما بين الناس خاصة. فأما الأول فكمحافظة الواحد على الجماعات حياء من الناس وهي على وجهين: أحدهما أن يخاف ذم الجيران إياه، وإن تقبح صورته عندهم، فلا يفارق المسجد ليحمدوه ويثنوا عليه خيرًا، فيكون ذكره فيما بينهم جاريًا بالخير لا بالشر، فهذا رياء، إذا لم يتجاوز قصده أمر الناس، وليس بمحمود وسنذكره في بابه. والآخر أن يكون حياء من الله تعالى بالحقيقة، يخشى أنه إن فارق الجماعة كان من عاجل مؤاخذة الله تعالى إياه، أن يبسط المسلمون فيه ألسنتهم بالذم. وإن كان معها كان من عاجل ما يثنيه الله تعالى أن يطلق المسلمون ألسنتهم فيه بالمدح، فيكون خوفه ذم الناس، وحبه مدحهم متعلقًا بالله عز وجل لا بغيره، فهذا محمود.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت). وفي معنى هذا قولان: أحدهما أن المراد به الدلالة على أن عدم الحياة يدل على أن الشد بأن
الذي لا يؤمن أن الاستحياء فتنة، وأن أعظم الموانع من القبائح عند العقلاء الذم وهو فوق عقوبة البدن، فمن طاب نفسًا بالذم ولم يخشه، لم يردعه عن قبيح ما هو رادع فلا نال شيئًا حتى ترك نفسه مهتوك الستر، مثلوب العرض، ذاهب ماء الوجه لا وزر له ولا قدر، قد ألحقه الناس بالبهائم وأدخلوه في عدادها، بل صار عندهم أسوأ حالًا بهذا القول، على ما في ترك الاستحياء من الضرر ولينتهي عيبه، ويستشعر من الحياء ما يردع عن إتيان القبيح فهو من يعينه.
والآخر: أن معناه إذا لم يفعل ما يستحي من مثله فلا حرج بعد ذلك فاصنع ما شئت. وكلاهما حسن وحق، والله أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الحياء فيما يتصل بحقوق الناس، فكحياء الولد من والده، والمرأة من زوجها والجاهل من العالم والصغير من الكبير، والواحد من الجماعة وإنما يكون ذلك إذا أراد الأدون أن يعمل على عين الأكمل عملًا يحق مثله للأكمل، فيخاف أن يقع منه عنده على وجه يذمه فيدعه. فذاك استحياؤه.
وهذا أيضًا محمود. لأن فيه مراعاة الناقص حق الكامل، وإدمانه له لأجل الفضل