الذي يعمل له على نفسه. وقد يدخل في هذا الباب حياء الناس بعضهم من بعض، حياء البكر من الإفصاح بالرغبة في النكاح، وليس هذا خوفًا لذم يلحقها على إرادة النكاح وإنما هو خوف ذم على ما يخشى أن يستبدل بإظهارها الرغبة في النكاح عليه. وهو حب الرجل وقلة الصبر. فإنها إذا تصورت في القلوب في هذه الصورة لم يؤمن أن يظن بها غير الجميل. فالذم على ذلك هو الخوف لا على النكاح نفسه. والحياء من هذا، ليس أنه الحقيقة وإنما هو مما يخاف أن يكون وراءه وبالله التوفيق.
ويدخل في جملة الحياء من الله عز وجل ثم من الناس، ستر العورة لأن الشريعة كما جاءت بالأمر بستر العورة، فكذلك الناس بحكم طبائعهم يعد من كشفها شقاء عليه، وسفاهة خلاعة. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(استر عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك) يعني الإماء. قيل له: أرأيت إذا كان أحدنا خاليًا بنفسه، قال:(الله أحق أن يستحى منه). فدل ذلك على أن ستر العورة تجمع العبادة والمروءة.
فإن قال قائل: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أحق أن يستحي منه) اللبس لا يحجب عن الله لأنه يرى المستور كما يرى المكشوف.
قيل: هو هذا، ولكنه يرى المكشوف مكشوفًا قد ترك أدبه من الستر فيه. ويرى المستور مستورًا أقيم أدبه من الستر فيه، فصح الاستحياء منه باللبس والستر فيه، وبالله التوفيق.
فإن قيل: أولًا يحل كشف العورة في البيت الخالي؟ قيل: يحل، وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم (أحق أن يستحي منه) أن التكشف مع الخلوة لا يحل وإنما هو معنى أن المتكشف يرى نفسه كما كان غيره يراه لو كان حاضرًا والأحسن أن لا ينظر إلى عورته من غير أدب، وأن يستر عن نفسه ما يستره عن غيره. ألا ترى أنه لا يحترم عليه أن ينظر إلى فرج امرأته وجاريته، ولكن الأحسن والأشبه بالمروءة أن لا ينظر. فكذلك هذا في نفسه. فمعنى قوله (الله أحق أن يستحى منه) أن يتحمل على عيبته بالستر، لئلا يرى العبد