خدرها. وهذا يدل على معنى الحياء غير ما ذكرتم. وقد يرى أن الصبيان الذين لا يدرون الحمد والذم يستحيون، فلو كان معنى الحياء ما ذكرتم لم يوجد الحياء إلا من عارف بالذم.
فالجواب أن استحياء النبي صلى الله عليه وسلم هو أن لا يفعل ما يمنع خوف الذم غيره من فعله، ولا شك أن غير النبي صلى الله عليه وسلم لو يبرم بضيف، قد فرغ من الطعام والرياء، لكان الذي يمنعه من أن يخرجه من المنزل أو يقول: أبرمت لكم خوف الذم، وأن يقال: كان أول هذا الذم دعاء وآخره جفاء. فإذا وقع هذا النبي صلى الله عليه وسلم وهو من البشر، كان من هذا في قلبه ما يدور في قلب غيره فذلك حياؤه.
وأما الصبيان فإن وجود الحياء فهم لا يبطل أن يكون حقيقة الحياء ما قلنا، لأن الحياء ما جبل الناس عليه في كثير من الأشياء فهم يستحون، وإن كانوا لا يدرون ما الحياء، كما يجوعون ولا يدرون ما حقيقة الجوع ويعطشون ولا يدرون ما أحقية العطش، وينامون ولا يدرون ما حقيقة النوم، فكذلك يستحون وإن لم يدروا ما حقيقة الحياء. على معنى يمنعون من فعل ما لا يمنع من مثله إلا خوف الاستنكار والذم، وإن كانوا لا يخشون بذلك من نفوسهم، لكنهم لا يخلون من نفور يجدونه في قلوبهم، وذلك النفور حيلة، كما أن كراهية الذم حيلة، وحب المدح حيلة فما الصبي بنفور قلبه ولم يدر علة النفور حتى إذا عقل أدرك، سيكون الفعل من جنس ما يذم فاعله، أو ما يخشى أن يكون كذلك. وفي هذا بيان أن وجود الحياء من الصبيان لا يبطل ما حددنا به والله أعلم.