للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهر رمضان: أن جبريل صلوات الله عليه قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمين).

وبالجنين أن يكون لحق الوالدين هذا التغليظ، فإنهما سبب لكون الولد ووجوده، والفضائل كلها تعقب الوجود. فما صار سببًا له فهو سبب لها، وكفى بهذا حقًا عظيمًا وذمًا أكيدًا. ثم الأم أعظمها حقًا وأوجبها حرمة لأن شغلها للولد أكثر، فإنه من الرحم يحدث، ثم يكون فيه إلى أن يتم خلقه، وينفخ فيه الروح. وتقاسي الأم في ولادته وتربيته ما لا خفاء به. والوالد خلي هذا كله. فوجب إذًا (أن يكون حق الأم أعظم وحرمتها أكد. فأما نسبة الولد، فإنما كانت إلى الأذن دون الأم لأن المراد منها الشهر والتعريف، وأمر النساء مبني على الستر فلم تقع الإضافة إلى الأم ما هو المراد من الشهر، والتعريف إذا كانت العادة أن الأم بنفسها غير معروفة ولا مشهورة، ويستحيل أن يقع تعريف المجهول بإضافته إلى مجهول مثله، أو أشد جهالة منه، فلذلك أنهي بذكر الأب وصف ذكر الأم عند الدعوة، ومما يبين حق الأم أنها أخص بالولد من الأب، لأن الولد لابد له من الأم. فأما الأب فله منه يد، لأن الله عز وجل قد خلق عيسى عليه السلام من أب منخلق، وكونه فتكون. فلما كان الذي طرق وجوده الولادة تقتضي الأم وتنبغي بها، ولا تقتضي الأب. علمنا أن الأم أخص بالولد من الأب. فإذا كان للأبوين من الحق ما لا يكون لغيرهما، كان للأم من الحق ما لا يكون للأب. وبين ذلك أيضًا أن الأبوين يشتركان في الولد ثم يكون من الأم الرضاع الذي لو وقع من أجنبي لأوجب قربًا وألزم حقًا، فصار للأم في الولد سببان ولأبيه سبب واحد. فعلمنا أن حق الأم أوجب وأعظم. وجاء في بعض الأخبار أن امرأة أبي الأسود الدؤلي خاصمته إلى بعض القضاة في ابن لها منه أراد أن يأخذه منها، فقالت المرأة: أيها القاضي، إن هذا الصبي كان بدني له غذاء، وحجري له وقاء، وجوفي له وعاء، فالآن لما كبر، قد عزم أن يفجعني به، فقال أبو الأسود: إن كان كذاك فقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه، فقالت المرأة: حملته خفًا وحملته ثقلًا، ووضعته حياء ووضعته كرهًا. فقال القاضي: قد خصمتك، خذي ولدك.

<<  <  ج: ص:  >  >>