وقد اختلفت الدلائل في كون الجنين، فذهب بعضهم إلى أن يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم، ويستمد في الدم الذي يكون فيه. وذهب غيرهم إلى أنه يكون من ماء الرجل والمرأة معًا. ومن قال بالقول الأول، قال: إنما نسب إلى الأب ولم ينسب إلى الأم لأنه خلق من ماء الأب ولم يخلق من ماء الأم. وذهب إلى أن حق الأب ألزم وأعظم لأنه جزء منه منسول من بدنه وليس بسلالة من الأم، واحتج بقول الله عز وجل {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين}. وقوله:{ألم يك نطفة من مني يمنى} فدل ذلك على أن الخلق كان من ماء واحد.
ومن قال بالقول الثاني: قال: إنما ينسب إلى الأب دون الأم لما سبق بيانه ولأن القيام بصالحه كلها من النفقة وغيرها عليه. أما الخلق فإنه منهما. وذهب إلى أن حق الأم أعظم وأوجب، واحتج بقول الله عز وجل:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} وقوله: {خلق من ماء دافق يخرج بين الصلب والترائب}. وقال: أراد به أصلاب الرجال وترائب النساء. ولأن المرأة تمني كما يمني الرجل، ولو لم يكن منها خلق لم يكن لها شيء. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها الغسل. فقالت لها أم سلمة: فضحت النساء وهل ترى المرأة ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(نعم، يكون شبه الخؤول والعموم، إذا علا ماء الرجل أشبه الولد الرجل، وإذا علا ماء المرأة شبه الولد المرأة) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأت إحداكن الماء الدافق فلتغتسل). ومن ذهب إلى هذا، قال: ذكر الله عز وجل أنه خلق الإنسان من السلالة والنطفة ولكنه لم يصفه إلى أحد الأبوين دون الآخر كالسلالة لهما والنطفة منهما بدلالة قوله عز وجل: {خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب}. وقد