للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه أراد لا أسألك على ما أعاقبه في استصلاحكم أجرًا إلا ما يلزمكم في حق قرائبي منكم، فإنها تقتضي أن تصلوني وتودوني وتدنو مني، ولا تنقضي أن تعاملوني وتؤذوني وتقطعوني.

والوجه الآخر: أنه أراد بذلك أن لا تؤذوا قرائبي، أن تعرفوا حقهم وتكرموهم وتوقروهم وتميزوهم عن غيرهم.

وأي واحد من هذين كان المراد ففيه البيان لحق الرحم. لأن بين لهم في التأويل الأول أن حق القرابة هو الوصل لا القطع والنصر لا القهر. وبين في التأويل الآخر أن قرابة الرجل تجري مجرى نفسه، ألا ترى أنه احتسب ودهم لقرابته ودًا لهم، وقضاء لحقه. فمن قطع قرابته فكأنما يقطع نفسه ويمنعه من النظر لها حطة.

وقال الله عز وجل: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كان آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}. فلما حرم عليهم موادة الكفار أخبرهم أنها لا تحل بحال، وإن كان الكافر ذا قربى ورحم. فلولا أن حق الرحم أن يوصل وحكم القرب أن يرعى ما دلهم على عظم الذنب في مؤاخاة الكفار، فإنها لا تحل وإن كانت بمكان قريب أو ذي رحم. وإذا بين ذلك لهم بان أن القربة لهم والرحم لا يطلقانه ولا يسوغانه، دل ذلك على أنهما مقتضيان للبر والصلة، لولا أن الكفر إذا عرض أبطل على الكافر كل حق وأفسد عليه من الخير كل حظ والله أعلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته). واحتمل قوله (أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي) إن الرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة. فأنا الرحمن لما وسع كل شيء من رحمتي وهي الرحم، لأن الجواز في الرحم موجب للرحمة، فمن عرف هذا الحق جزيته به خيرًا، ومن أغفله حرمته ذلك الخير. يدل عليه ما روي أن عمرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>