كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر:(السلام على من اتبع الهدى) وبذلك جاء القرآن في استرجاع السلام. قال: سلم ابن عمر رضي الله عنهما على رجل فقالوا: إنه كافر. فقال: رد لي ما سلمت عليك: قال: فرد عليه فقال: أكثر الله مالك. والتفت إلى أصحابه فقال: هو أكثر المحرمة مع استرجاع السلام إن أسلم عليه فإذا قال: رددت إسلامك، لم يستجب فيه سلام المسلم. فإن رجلًا لو قال لآخر: غفر الله لك فقال: لا أريد دعاءك. أو قال: لا غفر الله لي بدعائك، أو لا أجاب الله دعاءك. لم ينتفع بدعاء من دعا له كما لو دعا لنفسه بخير ثم كرهه، فقال: اللهم لا تفعل ذلك بي. أو اللهم اردد دعائي. أو قال: رجعت في دعائي. لم ينتفع بما قدم من الدعاء، فيصير المسلم كأن لم يسلم حين يطلب على من سلم عليه فائدة دعائه. وإن استرجع المسلم سلامه فلم يرجعه المسلم عليه وضربه فله ذلك. لأنه يرجو خيره وبركته. وفي الرد جزاؤه على الله. فلا يجبر أحد عليها.
وإن رجع المسلم من سلامه من غير أن يسترجعه من المسلم عليه، وقد تعمد السلام عليه لم يبطل بذلك سلامة وإن كان سلم عليه غلطًا فرجع في سلامه بطل سلامه. وإنما قال ابن عمر رضي الله عنهما للكافر الذي سلم عليه ولم يعرفه أردد سلامي. ليصغره بذلك كما أكرمه وأعزه بالسلام أولًا. لأن سلامه عليه كن لا يبطل باعتذاره إلى الله تعالى من ابتدائه بالسلام، وسؤاله أن لا يسلم عليه ولا يجيبه، والله أعلم.
وفي التسليم على النساء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فأومأ يده إليهن بالسلام. ومعنى هذا- والله أعلم- أنه سلم عليهن إشارة ولم يتكلم. ولعل ذلك ليرددن إشارة، ولا يتكلمن في المسجد، فتسمع أصواتهن. ورأى عطاء وقتادة: التسليم على القواعد دون الشواب. وسئل الحسن رضي الله عنه عن ذلك فقال: طأطئ برأسك وامضه. فأما المحارم فإنهم يسلمون، وليس التسليم عليهن بأكثر من الخلوة بهن. فقد يحتمل أن يقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخشى الفتنة، فلذلك سلم عليهن كما قيل وهو صائم، فقالت عائشة رضي الله عنها كان أملككم لأدائه، فمن وثق من