للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولد الذي هو جزء منهما، فكان الولد مؤمنا من غير سبب إيمان، كما كان الأبوان طول عمرهما مؤمنين من غير كسب منهما في جميعه.

والكافر أيضا إنما اكتسب الكفر وقتا، فأدام الله حكمه لها بعد، في سائر الأوقات، وإن كان ذلك لا يخطر بقلوبهما ما لم يحدثنا إيمانا كذلك عداه فيهما إلى الولد الذي هو جزء منهما. فكان الولد كافرا من غير كسب الكفر كما كان للأبوان طول عمرهما كافرين من غير كسب يكون منهما في جميعه والله أعلم.

وجاء في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" وقد اختلف في معنى هذا الحديث، فقيل: أن المراد بالفطرة الدين الذي شرعه الله للخلق الأول الذي هو أصل هذا النسل، هو أبونا آدم عليه السلام. وهو التوحيد الذي لا تشريك فيه ولا تشبيه، وإنما قيل على الفطرة لأنه أريد على الدين الذي كان عند ابتداء الفطرة وهي الخلقة والبنية.

وقيل: أن المعنى- أن كل مولود يولد خاليا من كل دين لكنه لا يترك كذلك بل يتبع أبويه، فيكونان البساه دين أنفسهما وأدخلاه فيه.

فمن ذهب إلى الوجه الأول احتج بحجج أحدهما قول الله عز وجل: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليهما}. قال فقد أخبر عز وجل أنه فطر الناس كلهم على الدين فثبت أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة" هو أنه يولد على الحق حتى يكون أبواه هما اللذان يرفعانه عنه، ويمثلان به إلى الباطل.

ودل على صحة هذا أنه لم يقل: حتى يكون أبواه يسلمانه، كما قال يهدوانه وينصرانه. فلو كان معنى يولد على الفطرة فيولد خاليا من كل دين، ومعنى يهودانه أن يجعل تابعا لأبويه في الدين إذ لم يكن له في نفسه دين لذكر الإسلام كما ذكرت أصناف الكفر. ولما لم يذكر، بان أن معنى الفطرة الدين الأول الذي شرع لأول فطور من البشر.

والحجة الثانية: أن الله عز وجل قال في كتابه: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألبت بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>