القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.
ووردت الأخبار بأن الله عز وجل لما خلق آدم صلوات الله عليه اخرج كل من علم أنه كائن من صلبه أمثال الذر، فأخذ عليهم الميثاق ما لم يحدث خلافه.
فإن قيل: قال الناس لا يذكر أحد منهم أنه أعطى من نفسه هذا الميثاق لا حقيقة ولا ظنا، ولئن كان هذا مما أخذ عليهم فهم في هذه الدار اخذ عهدان منهم في الدار الآخرة، فكيف لا يذكرونه في أقرب الأوقات من وقت هذه الكائنة، ويذكرونه في أبعدها؟
قيل: إن هذا الميثاق لما أخذ عليهم مخرجين من صلب آدم، لا شرك أنه أخذ وقد ركب فيهم الحركة والنطق والعقل، فلما أعيدوا إلى صلب آدم بطل ما كانوا، فردوا به من هذه المعاني فزال العلم الذي كان متعلقا به، ولما عادوا يخرجون من صلبه واحدا بعد واحد على سبيل التوالد، انسوا ذلك الميثاق لأن الدار كانت دار ابتلاء وامتحان وتعبد، فلو ذكر كل واحد ما كان فيه فيها خلال حقه وصدقه يجري الإيمان مجرى الضرورات، وارتفعت المحنة واقتضت الحكمة انساءهم إياه، وابتداءهم بالخطاب والتكليف مقرونين بإرسال الرسم وتأييدهم بالأعلام بعد تركيب العقل فيهم وتمكينهم من التمييز بين الحق والباطل ليكون منهم ما يكون، حتى إذا كان يوم القيامة ذكروا من ذلك ما كانوا نسوه، لاحتجاج به عليهم ما أمدوا به على ألسنه الرسل من التنبيه والوعظ والعد والوعيد وبالله التوفيق.
والحجة الثالثة: ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله عز وجل خلقت عبادي حنفاء فأحلتهم الشياطين عن دينهم". وهذا يدل على أن أصل الناس في دينهم الأيمان وأنهم في ذلك بمنزلة الماء والثوب والأرض التي أصلها الطهارة ما لم يرد عليه راد ينجسها.
ومن قال بالقول الآخر دفع هذه المقالة، فإن الدين كسب لا حيلة، لأن الله تبارك