وتعالى يثيب ما حسن منه ويعاقب على ما قبح منه، ويأمر بالحسن وينهي عن القبيح، وما كان بابه باب الحيلة، فإنه لا ثواب ولا عقاب لأحد عليه، فإن الله تعالى لا يثيب البصير على بصره ولا يعاقب الأعمى على عماه، وكذلك كل من جرى مجراه. وهو يثيب المسلم بإسلامه، ويعاقب المبطلين على باطلهم، فثبت بذلك: أن الدين من باب الاكتساب لا من باب الجبلة والبنية، وإذا كان كذلك، والمولد بين الكافرين لم يكسب دين الحق ولم يكسبه له أبواه فإني كان مسلما!
وأيضا فإن الله عز وجل لو خلقه مسلما، لم يرع إتباعه الأبوين الكافرين في كفرهما لوجهين: احدهما لأنه ليس من دينه أن يقبل من أحد كفرا بعد الإيمان، والآخر أن كل من اتبع غيره في شيء فإنما يتبع فيما لا يكون له بنفسه، فيكون محتاجا، فلو كان له بنفسه دين لم يتبع في الدين أبويه.
فأما قول الله عز وجل:{فأقم وجهك للدين حنيفا} فطرة الله التي فطر الناس عليها الإسلام، لكن ما يتوصل به إلى الإسلام هو الحق من دلالة العقل، وهي التي لا يتهيأ لأحد تبديلها، فإن ذهب عنها ذاهب كانت هي مجالها حجة عليه وداعية له إلى الصراط المستقيم، وبالله التوفيق.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يقل حتى يكون أبواه يسلمانه، دل على أن المراد بالفطرة الإسلام، فلا دلالة له فيه لأنه أراد بين أن فساد الدين ضرر يلحق الأولاد من قبل آبائهم وأمهاتهم. فذكر الأديان الفاسدة، ولم يذكر الدين الصحيح ولأن بنوته للولد بابوية نفع وصلاح له وتأس من الضرر، فإنما سكت عنه لهذا: لا لأن ثبوت الدين الحق له من قبل الخلقه- فإنا قد بينا أن الدين لا يجري مجرى الخلق- ولكنه من باب الاكتساب. وفي ذلك ما يمنع أن يكون المراد بالفطرة الدين.
وأما قول الله عز وجل:{وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم، ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم} فإنما معناه أنه أخرجهم من أصلاب آبائهم عقلاء مذ ركب فيهم آلة التمييز ما يعلمون به أن لهم خالقا، فأشهدهم بما في عقولهم المركبة في أبدانهم