للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنفسهم، لأنه لو خاطبهم وأمرهم، ونهاهم من غير أن يعطيهم عقلا يدركون به مراده لم يكن عليه سؤال ولا عيب، وإذا أعطاهم آلة التمييز والمعرفة نوجه عليهم العيب والسؤال، ولم يكن لهم أن يقولوا كنا عما يلزمنا غافلين، ولا نوجه لاختلافهم أن يجبلوا على إسلامهم.

فالميثاق إذا هو العقل لا غيره، وبيت فساد تعلق من خالف هذا بالآية أن الله تعالى لم يقل: وإذ أخذ ربك من ظهر آدم ذريته، وإنما قال: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} فظاهر ذلك أنه أراد توكيد بعضهم من بعض على ممر الأزمان، وباشهادهم على أنفسهم، أعطاهم عقلا يدلهم على صانعهم ووحدانيته وقدسه والله أعلم.

وأيضا فإنه إن كان أخرج من صلب آدم صلوات الله عليه جميع ذريته وسألهم عن نفسه، فاعترفوا بأنه ربهم، ولا شك في أنه ركب فيهم الخبرة والعقل والنطق وسألهم، لأن ما لا يدري مالا يقال هل فلا معنى لسؤاله، وإن كان فعل ذلك بهم فلا يخلو من أن يكون قولهم "بلى شهدنا" اضطرارا واستدلالا، فما بالهم لم تتفرق بهم السبل، ولم تضطرب آراؤهم، وكان كأمثال الذر وحبوبهم ومعارفهم، وقواهم بحسب أبدانهم أن تكون على الإصابة بعد ما أكمل خلقهم، وأغرزت عقولهم وقويت معاني الخير فيهم أقدر وله أخلق. وإن كان ذلك وقع منهم اضطرابا فلهم من الحجة يوم القيامة أن يقولوا: لا نكث لعهد منا ولا نقص لميثاق، لأنا شهدنا اضطرارا، فلما زال علم الضرورة عنا، وكلنا إلى آرائنا، كان منا من أصاب ومنا من أخطأ. كما كان ذلك يكون المجلون وآراؤهم في كل شيء.

وهكذا أن قال قائل: كان إقرارهم عن استدلالهم ولكنهم عصموا عنده من الخطأ ووفقوا للإصابة.

قيل لهم: فلهم إذا كان يوم القيمة أن يقولوا: أيدنا يوم شهدنا على أنفسنا بتوفيق وعصمة حرمناها من بعد، ولم أمددنا بها أبدا لكانت شهادتنا في كل وقت وحال كشهادتنا في أول الأمر، ولم يختلف. فقد بان المقصود الذي يدعيه أهل هذا القول، ولا يحصل بالأهل الذي يصفونه، وأيضا فإن الله تعالى يقول: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.

<<  <  ج: ص:  >  >>