للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو كان الناس قد أخذ عليهم بالإيمان ميثاق ما يقولونه- الذي جلبنا قولهم- لما كانت لهم على الله حجة وأن لم يرسل إليهم الرسل، وقد أخبر الله عز وجل: أنها كانت تكون، فثبت أن أخذ الميثاق عليهم من الوجه الذي يقولونه، لم يكن، والله أعلم.

فلو قيل: لو امتنع أن يكون المراد بالآية: أعطاهم العقول، لنفس هذه الآية أيضا، قيل: ولا سواء، لأن ما وضع في العقل من المعارف فهو مختلف: فمنه ما ليس فيه إلا وجه واحد، ومنه ما له وجهان أو أكثر، ومنه ما يدرك البديهة، وفيه ما يدرك بالاستدلال والناس في العقول وسائر القوى مختلفون: فمنهم التام عقله، الساكن نفسه، الجيد طبعه، ومنهم: الناقص عقله، المضطرب نفسه، الركيك طبعه. ومنهم: ذو الشغل الواحد، فهمه مقصور عليه. وفيهم ذو الأشغال الكثيرة، فهمه متوزع بينهما، منقسم عليها. مختلف استدل المستدلين بحسب اختلاف أحوالهم، فيكمل من واحد وينقص من آخر، ويضعف رأي واحد، ويقوى رأي آخر. فاحتاجوا لذلك إلى الإمداد بالرسل ليقووا عزائمهم ويحدوا سرائهم، فيأمنوا مكانهم الوقوع في الغلط والخطأ، وإنما الإقرار وان كان وقع عن الجماعة فشئ قد مضى، ولا يتغير عن حاله- كان بعده رسول أو لم يكن- وأكثر ما يمكن أن ينسوه أو ينكروه عند أهل هذا القول أنهم غير معدودين بما عرض لهم فيه، وإن الإقرار محتج به عليهم يوم القيامة، فلا حاجة مع هذا إلى الرسل إذا! وإذا أخبر الله عز وجل أنه أرسل الرسل لقطع الحجة صح أن هذا الإقرار الذي يصفونه على الوجه الذي يذكرونه غير واضع من الجماعة والله أعلم.

وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "يقول الله عز وجل: خلقت عبادي حنفاء فاحالتهم الشياطين عن دينهم"، أنه خلق آدم وحواء صلوات الله عليهما، وجعلهما مسلمين وذرا أولادهم على الإسلام، فكذلك كانوا إلى أن ألقى الشيطان فيهم حدث الكفر، فحال به عن ذلك حال عما كان عليه الأصل، وليس المعنى أن كل مولود فإنه يكون مسلما، ثم يكفر منهم من يكفر.

ويقال: لمن زعم أن أصل الناس الإسلام كما أن أصل الماء والتراب والثياب الطهارة:

<<  <  ج: ص:  >  >>