فأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى عبد الله بن سلول رداءه ليكفن فيه أباه، فغير هذا. لأن ابن عبد الله كان مسلمًا. فلما مات أبوه حضر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أعطني رداءك أكفن فيه أبي. فأعطاه رعاية لحقه أو استطابة لقلبه، وتأكيدًا في الإسلام لنبيه.
وقيل فعل ذلك لحق كان لأبيه قبل، فأراد أن يجزيه بعد موته وإن كان من ذكرنا المريض أو الميت ذا قرابة منه. فجائز له أن يشهده على أن تعظيم من حق الرحم ما عظمه الله تعالى جده لجل وجه سؤاله ويغسله ويكفنه ويواريه. وينجي عن قلبه. وجد إن أحسن به عليه، ويذكر أنه كان عدوًا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نقصه الله وأجازه إلى ما يستحقه.
أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في غسل أبي طالب لما مات، ومواراته. ولا يقعد عليه ما شاء.
وأما إذا افتقر في حياته، فاحتاج إلى أن يعوضه غيره، فعلى ولده المسلم أن ينفق عليه إن كان قادرًا على ذلك. وكذلك على الوالد المسلم هذا في ولده الكافر. وأيهما ملك الآخر عتق عليه. وإن قتل الكافر ولده المسلم لم يقتل به. وإن قذفه لم يجلد له. وهذه حكام وفرائض وحدود شرعها الله تعالى تعظيمًا لحق الولاد والرحم، فهي مقام طاعة لا شفقة على من يرجع نفعها إليه. فأما ما نهى عنه، أو لم يفرضه، فاجتنابه أولى، لأنه إذا أوقع لم يقع إلا وداد أو شفقة. وقد بينا أنه ليس لمسلم أن يواد كافرًا.
ولا ينبغي لمسلم إذا لقي كافرًا في طريقه أن يتنحى عن الطريق بل يضيق الطريق عليه وينحيه إلى أرذله وأشده.
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدأوهم بالسلام، واضطروهم إلى ضيقه). ولا بتدأوه بالسلام ولا تصافحنه. فإن مد الذي يده إليك، أعطاه يده في كمه. فإن مدها عارية لم يطل حبسها في يده. ولم ينتظر من أن يكون هو الشارع ليده ما ينتظره في مثل ذلك من المسلم.