نفسه ويعز فاسقًا، كما لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ويعز كافرًا، ولأن العدل إذا لاين فاسقًا لا لغرض صحيح، فإنما يغض في حق العدالة لا في حق نفسه، وليس له هذا كما أن المسلم إذا لاين كافرًا، لا عن عذر أو ضرورة إلا لغرض صحيح، فإنما يغض في حق الإسلام لا في حق نفسه، ولم يجز ذلك له ولا وسعه. ومن ملينة العدل الفاسق أن يراه مجاهرًا بفسقه وهو يقدر على ردعه فلا يردعه لحرمة عنده، أنه يرعاها له. وهذا كثير، لأنه يبع بالدنيا ورفض الأمانة، ودخول في جملة أهل الخيانة، والله عز وجل يقول:{لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، وما بقي من القول في هذا فسيأتي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فصل
فأما ما جاء عن بعض المتقدمين أن المسلم يعزي المسلم إذا مات أبوه النصراني، فيقول له: أعظم الله أجرك وخلف عليك. ويقول للنصراني إذا مات ابنه: اخلف الله عليك ولا نقص عددك. فإن وجه قوله في تعزية المسلم بالأب النصراني بين، لأنه إن لم يحزن عليه حزن له، وحزنه له إيمان بالله عز وجل. فيجوز أن يقال له: أعظم الله أجرك لهذا. ويقال: خلف الله عليك. فمعناه: رزقك الله ولدًا مكان الذي سلبك، ولا نقص لك عددًا. أي فعل بك ما سألت فلا ينقص عددك بالذي أخذه. وهذا ليس دعاء أن يكثر الكفار، لأن وفور عدده ليس يكون بأن يكون ولده على دينه. ومعنى هذا القول أن يكون الدعاء له، على رتبة الدنيا. فإن أصل التعزية إنها دعاء. فإذا لم يكن أن يدعي للكافر بحسن المآب دعي له بشيء من متاع الدنيا، فيكون حق جواره، أو حق آخر، إن كان له قد قضى بذلك، والله أعلم.