للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له بدين الله تعالى علم قليل، أن كثير، أو بآياته وبيناته وحججه الباهرة القاهرة. وبغير يسيره وخطيرة، فلا تسموا بالحكمة وسماهم الناس بها، وظهرت لهم في علم الأبدان وغيرها آثارها كثيرة، يأتون فيها بالفضل والبراعة، فظن أن منازلهم في علم النبأ العظيم الذي هم عنه معرضون. وللأمر الكاتف الجسيم الذي هم فيه متحيرون كمنازلهم فيما أدركوه ووفقوا له فأصابوه، فقبلوا قولهم تقليدًا بلا استبصار، وتعظيمًا لهم من غير نظر واعتبار، فضلوا عن الصواب، وأخطأوا سبل الرشاد. وهو عليهم قول الله تعالى {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد}. وأيما مسلم جلس إلى بعض من حقت عليه الضلالة، فسمعه يظهر الكفر والاستهزاء بآيات الله، فحرام عليه أن يقضي عنه ويسامحه بترك الإنكار عليه، بأن كان لذلك أهلًا. فإن كان يقصر عن ذلك، فإن يرفعه إلى الأمام. أما الوالي والقاضي وأكبر علماء المسلمين في بلده ليزجره، يعمل به ما يستحقه. وإن لم يقدر على شيء من ذلك فليفارقه، ولا يقم عنده، وهو غمه في طغيانه، وتأبيط بالباطل لسانه، قال الله عز وجل: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفره بها} الآية إلى آخرها. وقال:} وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.

وهذه الآية مكية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يطيق مدافعة المشركين، فلهذا- والله أعلم- قصر فرضه عن الإعراض دون ما زاد عليه، ومن لم يفعل شيئًا مما ذكرنا، ولا هو أنكر ولا رفع الأمر إلى من يغيره، ولا قام فاعتزل، بل لزم مكانه يسمع ما يجري فيه من الباطل فلا يعتني به، لا يجد في قلبه منه ما يهزه ويزعجه، كان ممن قال الله عز وجل {إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا}. ونعوذ بالله من هذه الحال، وبالله التوفيق.

فصل

والفساق في كثير من المعاني التي سبق شرحها كالكفار، فلا ينبغي لعدل أن يلاين فاسقًا، لأن ملاينة العدل الفاسق، تجسر الفاسق وتخذل العدل. فلا ينبغي له أن يذل

<<  <  ج: ص:  >  >>