ولا ينبغي للإمام أن يأذن لذمي في إحياء شيء من موات دار الإسلام، ولا أن يقطعه معدنًا من معادنها. فإذا اتخذ الإمام سيافًا أو جلادًا، فلا يجعلنه من المشركين، ثم يسلطه على المسلمين، فإنه يتشفى منهم بما ينالهم به، وذلك صغار بالمسلمين. فينبغي لإمامهم أن يصرفهم عنه، ولا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريقًا منهم فريقًا عنهم ليحموهم، ويدافعوا عنهم، فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففيهم نزل قول {ولا تكن للخائنين خصيمًا، واستغفر الله، إن الله كان غفورًا رحيمًا}. وقوله تعالى {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيما. يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله وهو معهم، إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا}. معنى قوله عز وجل {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول} والنهي عن المجادلة والمخاصمة في هذه الآية، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم لفظًا، فالمراد به: الذين كانوا يفعلونها من المسلمين دونه، لوجهين: أحدهما أنه عز وجل إبان ذلك بما ذكره بعد، بقوله {هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة}. والآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتيمًا بينهم حكمًا فكان من يعتد، يعتذر إليه، وهو لا يعتذر لحد إلى غيره. فصح أن الذمي وإن كان له لفظًا فليس له قصدًا، لكن لغيره والله أعلم.
ولا ينبغي للمسلم أن ينظر في كتب المشركين، وما الفوه من آرائهم، وأبدوا به من مقالاتهم، وهجنوا به مذاهب غيرهم، قبل أن تحكم قواعد دين الله تعالى، ويرسخ في علمه، ويستبصر بأصوله وحججه. فيكون نظره في أعدائه، وأعداء رسله صلوات الله عليهم، بعد ذلك مقرونًا بما يريه الله تعالى عند الهجم عليها من فضائحه وعوراتها وقبائحها، فيميز المناقضات، ويبين الشبهات، ولا يترك دعاويهم وشرحهم أقوالهم منازل الحجج، فيعتمدها اعتماد ما قد يرى وضح الحق فيه، وقام دليله. ولا يقبل تشيعهم على من يخالفهم قبول من يرى أنهم هم المحقون وغيرهم المبطلون. فإن أكثر من اغتر بقول الفلاسفة وهلك بكتبهم، إنما أتي من قبل أنه افتتح بها، فسمع ما يسمع من آرائهم قبل أن يكون