بوجهه أحد يعطي كل رجل منهم وجهًا. وقال ابن شهاب: كنت مع سعيد بن جبير، فأتاه ناس حتى عظمت الحلقة، فبدا له أن يقوم. فقال: أنكم جلستم إلي، وبدت لي حاجة، أفتأذنون لي أن أقوم إليها؟ قالوا: نعم. قال: ولو كنت أنا الذي جلست إليكم لم أستأذنكم. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أغلب بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس بمؤمن. وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه. أتدرون ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنه، وإذا استقرضك أقرضه، وإذا افتقر تحدث إليه. وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته. وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطيل عليه بالبناء ولا تحجب عنه الريح إلا بإذنه. وإذا اشتريت فاكهة فاهد له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده. ولا تؤذه بقتار قدرك، إلا أن تعرف له منها. أتدرون ما حق الجار والذي نفسي بيده، لا يبلغ حق الجار إلا قليل ممن رحمه الله، فما زال يوصيهم بالجار حتى ظنوا أنه سيورثه).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الجيران ثلاثة: منهم من له ثلاثة حقوق ومنهم من له حقان، ومنهم من له حق واحد. فأما الذي له ثلاثة حقوق، فالجار المسلم القريب، حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة. وأما الذي له حقان، فالجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام. وأما الذي له حق واحد، فالجار الكافر له حق الجوار. قالوا: يا رسول الله، أتطعمهم من لحوم النسك؟ قال: لا تطعموا المشركين من نسك المسلمين). فهذا الحديث قد أتى على إنابة أكثر حقوق الجار، وما ذكر فيه من النهي من طعام المشركين من نسك المسلمين. قد يحتمل أن يكون أريد به النسك الواجب في الذمة الذي لا يجوز للناسك أن يأكل منه، ولا أن يطعمه الأغنياء. فأما ما لم يكن واجبًا في الذمة، فجاز أن يأكل منه بنفسه ويطعم منه الأغنياء، فجائز له أن يطعمه أهل الذمة.
وجاء في ذلك عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها عند تفريق لحم الأضحية:(ابدئي بجارنا اليهودي) فدل ذلك على أن معنى الحديث ما ذكرته.