والأشبه بالصبر في هذه الآية، الصبر على الشدائد، لأنه عز وجل اتبع مدح الصابرين بقوله:{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
فضرب الأمر بالصبر بالنهي عن أن يقال للشهداء أنهم أموات. وليس المراد القول وحده لأنهم لو كانوا أمواتًا بالحقيقة لم ينهوا عن أن يسموا بأسمائهم ويوصفوا بأوصافهم ولكن المراد، لا تعلموهم أمواتًا. أي لا تعتقدوا فيهم أنهم أموات وأنهم أحياء حيث أصارهم الله إليه وأعده لهم. والمعنى أنهم ليسوا بموتى فلا تجزعوا عليهم كما يجزع على الموتى. على أن الجزع على الموت ليس مما ينبغي بل الصبر على المصيبة لهم ألزم وأولى، فإن الله مع الصابرين، أن يوفقهم للصبر لينبئهم به خيرًا، من المعاني التي سلبوها بقبض من قبضه من بينهم. وقد يتموها ما كانت من نفقة كانوا ينفقونها عليهم. أو معونة في النوائب كانوا يبذلونها، أو أنس وبهجة كانا فهم في لقائهم، أو قوة وكثر كانتا لهم بمكانهم. أو علم وتبصرة كانوا يستفيدونها منهم، وانقطعت مادتها عنهم بموتهم، فالله تعالى ينسيهم بما أخذه منهم إذا صبروا ما يجبر كثيرهم ويزيدهم درجات فيما أعد لهم من الكرامة في الجنة، ثم قال عز وجل {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} أي من قبل الأعداء، والجوع أي نبتليكم بالقحط ونقص من الأموال أي الآفات التي تجتاح الأموال وهي كثيرة. وتحتمل الأنفس الأمراض والأحزان، وما يعرض للناس في إعطائهم وجوارحهم من العمي والصم والتأمل وذهاب الأطراف والثمرات.
قيل: أراد بها الثمرات التي هي دون الأقوات، وقيل: أولاد الأولاد. وأولاد الأولاد بمنزلة الثمرات من وجهين: أحدهما أن الثمرة من زوائد الأصل، فكذلك الولد من زوائد الوالدين. والآخر أن الثمرة تستأنس بها وتقر العين برؤيته إلى أن يبلغ فتكون منه العوائد المقصودة بابتغائه والله أعلم.