ثم قال عز وجل:{وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون}. وأكثر الإشارة في ذلك إلى أن يقولوا في نفوسهم أو يخطروا بقلوبهم. وإذا كانوا له، كان ما ينسبونه إلى أنفسهم من المال والولد أيضًا لله. فإن أخذ عنهم شيئًا فإنما أخذ ما كان له، فليس لهم أن يصبوا بذلك درعًا. فإن المعير إذا استرجع عاريته لم يكن للمستعير أن يتأسف ويحزن {وأنهم إليه راجعون} أي أنه نازل بهم في أنفسهم ما نزل ممن يهتمون له، فأولى بهم أن يهتموا لأنفسهم، ويقدموا قبلهم ما يفرحون به إذا وردوا عليه. فإن رجلين لو خرج أحدهما إلى بلد متنقلًا إليه، وأراد الآخر الخروج بعده للانتقال إليه، وهو يعلم أن ذلك نازل، لا يجد القادم فيه إلا ما قم، فكان اهتمامه لنفسه، وتقديمه إلى ذلك البلد ما يكون معدًا فيه حتى إذا قدم وجده فيه، أولى به عنده العقلاء من أن يصرف جميع همه إلى التفكر في مفارقة الآخر إياه.
ثم قال عز وجل:{أولئك} يعني: القائلين بما حكينا، والمعتقدين لما بينا، عليهم صلوات من ربهم للانبيه الحسنة والمدائح الفخمة التي يعظمون لأجلها في عباد الله {ورحمته} يعني: كشف الكربة وقضاء الحاجة {وأولئك هم المهتدون} هم المستبصرون بالأحق والألزم المجتنبون للأطغى والأظلم.
جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا: نعم العدلان، ونعمت العلاوة. يعني بالعدلين: الصلاة والرحمة والعلاوة {أولئك هم المهتدون}. وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم} وقال: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون}. فأمره أن يصبر على أذى قومه، كما صبر إخوانه من النبيين الذين تقدموه، وكانوا أولي حد في أمر الله ويوهن القلب على احتمال ما يستقبلهم من قومهم. وأن يستعجل بما لهم عنده الله من الجزاء بكفرهم وشقاقهم وأبدانهم أتاهم، وزادهم توصية في الآية الأخرى على الأمرة بالتصبر أن اذكره أنه لا يستطيع الصبر إلا بإعانة الله تعالى إياه عليه، وتوفيقه له، ليرجع إليه عز وجل، فيسلمه إياه أن يصبره وينبئه.