للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: {ولا تحزن عليهم} أي فلا تحسر على ما يفوتك كثرة، ووفور عدة بهم لو كثروا بل فإن الله تعالى ناصرك ومكثرك بغيرهم، ومبدل أترابك فيهم خيرًا منهم وهذا على أن المراد بالآية، الذين كانوا يؤذونه من قريش، {ولا تك في ضيق مما يمكرون} أي لا تستشعر من الحزن ما يضيق به صدرك لأجل ما تسمعه، أو تظن أنهم يمكرونه بمكانك، فإن الله تعالى {مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}. وأنت رأسهم والذين اتبعوك كلهم بهذه الصفة {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}. ومكرهم بشيء فهو عائد عليهم وغير متجاوزهم إلى غيرهم.

وأما قوله عز وجل: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}. فقد قيل نزل في قتل حمزة رضي الله عنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه قد مثل به قال: (لئن أظهرني الله عليهم لأضعن بثلاثين منهم مثل الذي صنعوا بحمزة). فأنزل الله عز وجل: {فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} ثم قال: {ولئن صبرتم} عن المجازاة والمماثلة {لهو خير للصابرين} ولم يقل: فهو خير لكم. لأن الصبر ليس بمستحب لهم، ولكن لكل مصاب بظلم، فالصبر على الانتقام والتشفي من ظالمه في الدنيا، فذلك أشفى لصدر المظلوم، من أن يفعل في الدنيا به مثل ما فعل. لأن أدنى ما يمسه من وهج النار أعظم وأكثر من كل ما يمكن أن يفعل بالظالم، ويأتيه بمكافئه في الدنيا.

وأما أن يكون الظالم وقد صار إلى ما يوجب له مغفرة الله تعالى في الآخرة فالله تعالى يعوض المظلوم ما أصابه من الظلم الذي لحقه، ما هو أعلى قدرًا وأجل خطرًا وأعظم نفعًا منه. فإذا كان كذلك بان بأن الصبر خير للمظلوم من التشفي والانتقام، وقال عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}. وقال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم}. فأخبر عز وجل أن ما

<<  <  ج: ص:  >  >>