للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه ونزل عليه. وقد يجوز أن تكون هذه الوجوه كلها مرادة بهذه الآيات، لأنه لا ينافي بينها حتى إذا كان أحدها من إذا امتنع أن يكون للآخر مرادًا.

وقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. فقيل معنى قوله عز وجل {اصبروا} أي على ما كلفتم، ولا تخلوا بشيء منه ولا تقصروا فيه. ومعنى قوله {وصابرون} أي صابروا العدو واثبتوا لهم كما يثبتون لكم. وقال قبل هذا {لتبلون في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا. وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} فأخبرهم عز وجل أن نسخ الشرائع المتقدمة وانبعاث نبي فله جريده، والأمر مع ذلك بقتال من خالف. فعرضهم لأن يبتلوا في أموالهم وأنفسهم. أما في أموالهم بأن ينفقوها في نصرة دين الله، وبأن يذهب منهم أن ظهر أمر العدو عليهم، والأنفس بأن يمتهن ويبتذل ويجوع ويعطش وينصب ويجهد في نصرة دين الله. وأن يعرض للقتل، فيطاب نفسًا عنها ويعوضها أن لا يسمعوا من أهل الملل المرفوعة، ومن المشركين أدى كثيرًا. فإن هم ضاقوا صدرًا بكل مكروه يلحقهم فليعلموا أن لا قوام لدينهم في التضجر بما يصيب فيه ولأجله. وإن وطنوا قلوبهم على الصبر واتقوا عذاب الله تبارك وتعالى فلم يعرضوا دينهم للذهاب، باستشعار القلق والضجر {فإن ذلك من عزم الأمور}. أي من فعل الحازم العازم، وهو الثابت في الأمر الجاد فيه. وهكذا حكمه عز وجل عن لقمان بعدما وصفه بالحكمة أنه قال فيما وعظ به ابنه: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}. وبالله التوفيق.

وأما الصبر على المصائب، فقد تقدم القول فيه، وقد قال عز وجل فيما يتصل منه بالصبر عن محازاة الظالم: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. فكان معنى قوله عز وجل {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}

<<  <  ج: ص:  >  >>