أي ينتصرون جميعًا أي يتناصرون، لا يخذل بعضهم بعضًا. وهذا مدح لهم بالتناصر إذا قصد المبغي عليه أن ينتصر. ثم بين بعده إن كان الانتصار مملوكًا، فالعفو خير له لأنه يستحق به إذا أراد وجه الله تعالى أجرًا هو خير له، وأعود عليه من الانتصار. ثم زاد نعتًا على العفو وندبًا إليه، فقال:{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. أي من فعل العازم وهو الثابت الجاد في الأمور.
وفي الصبر على البلاء: روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخصي: (من ابتلى بمثل ما ابتلي هذا فصبر، فله الجنة). وهذا- والله أعل- إذا صبر فلم يجزع، ولم يقل بلسانه ما يقول المصاب مما يشتد عليه، ولم يضق ذرعًا بما يحس في نفسه من شهوة لا يستطيع قضاءها. ورغب فيما عند الله من ثوابه، فهون المصيبة على قبله واستخفها في حب ما يرجوه من فضل ربه عز وجل. فأما الصبر لا على هذا الوجه فصبر ومره وليس هذا المراد بالحديث والله أعلم.
وفي الصبر على المصيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد حزن أحدكم على هالكه فليذكرني، وليعلم إني قد هلكته). وفي الصبر على البلاء عن الأصبع بن ببامه قال: خلنا مع علي رضي الله عنه على الحسن بن علي رضي الله عنهما نعوده، فقال له علي: كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبحت بحمد الله بارئًا. فقال علي رضي الله عنه: كذلك إن شاء الله. ثم قال: اسندوني. فأسنده علي إلى صدره، فقال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالقنوع تكن أغنى الناس، وأداء الفرائض تكن من أعبد الناس، يا بني، إن في الجنة شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبًا). وقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. ومن ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله (سلبته كريمته فوضعه بينهما الجنة).