فأما الصبر على المحارم فهو من فروض الدين، وقد ذكرنا المحارم تامة في مواضعها والله أعلم. ومما وجدنا في فضل الصبر على كلف العبادات، إن الله عز وجل أرى إبراهيم صلوات الله عليه في منامه أن يعالج ذبح ابنه تقريبًا إلى الله عز وجل. فلما استيقظ وقع له من تأويل ذلك أنه أمر بالذبح فأخبر ابنه بذلك. فقال الابن له:{افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}. فاستسلم كل واحد منهما لأمر الله تعالى جده، وصبر على شدته، وتجرع من مرارته، فما أوجبه عزمه وقوة دينه ويقينه، والله عز وجل يقول:{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}. فينبغي لكل مؤمن في الصبر على كلف العبادات مثله، ومثل ولده صلى الله عليه وسلم.
فصل
ومما يدخل في الصبر على الشهوات، ومما لا ضرورة بالعبد إليه، إن الله عز وجل، وإن كان قد أباح لعباده الطيبات، فإنه ذم الذين استمتعوا بالطيبات في هذه الدنيا ولم يروا شيئًا منها لوجهه، رجاء أن يعوضهم منه، ما هو خير منه من طيبات الآخرة. فقال:{ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}. واحتج عمر رضي الله عنه بهذه الآية مع علمه بأنها نزلت في الكفار، فقال لو شئت أن يذهبن لي لفعلت ولكني وجدت الله تعالى ذم قومًا، فقال:{أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها}. فقد يحتمل أنه فهم عن الله عز وجل أنه أنكر عليهم توسعهم في لذات الدنيا، كما أنكر عليهم كفرهم، ثم جزاهم النار ببعضها لا بجميعها ومما حرم منها على المؤمنين كما حرمه على الكافرين، فقال عز وجل:{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا، إلا من تاب} وهذه كالصلاة قبلها، والشهوات اسم للمشهيات وهي قسمان: حلال وحرام. فالصبر على الحرام واجب، والصبر عن الحلال التي لا ضرورة إليه مستحب، إذا كان إنما يقع عنه لئلا يصبر النزوع إلى الطيبات الدنيا ولذاتها عادة، فيعمى القلب ويميل بالعبد عن طريقة التعبد،