وتذليل النفس وقمعها إلى خلاف ذلك. فتعسر عند ذلك العبادة، وتستعصي عليه النفس فيكون الصبر عن الحلال لوجه الله تعالى جده، فيرجى أن يعوضه الله تعالى عما صبر عنه ما هو أطيب وألذ وأنعم وأكثر مما ترك. مع أن المتروك من جنس المنقطع الفاني والموعود من جنس الدار الباقي، وبالله التوفيق.
قال الله عز وجل:{ما عندكم ينفذ، وما عند الله باق، ولتجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}. فيدخل في هذا الصبر عن الحرام، والصبر عن الحلال على الوجه الذي يثبت. وقال عز وجل في صفة أهل الجنة:{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار}. وهذا أيضًا يصلح لانتظام الصبر عن الحرام والصبر عن الحلال. وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى}. فبشره بأنه إذا لم يتطلع إلى زهرة الحياة الدنيا لئلا يشغله عن عبادة الله تعالى عوضه الله منها، ما هو خير وأدوم منها. وقال عز وجل:{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أتصبرون وكان ربك بصيرًا}. فيحتمل أن يكون أعطينا بعضًا وحرمنا بعضًا ليمتحن المحروم بالمعطى. {أتصبرون} أي تظنون أيها المحرومون نفسًا بما حرمتم وتعلمون أن ذلك عدل من الله جل جلاله، وليس يجوز، وتصبرون عن التطلع إلى من أعطى غيركم راضين، بأن تعرضوا عنه في دار الجزاء خيرًا منه. أي إن صبرتم فهو خير لكم، وإن يكن فإنه ثناء من الله على الصابرين الذين ذكرناهم آنفًا، وهم الصابرون على شدة الفقر والفاقة، لأن البأساء هي الشدة. فمدح الله عز وجل وأخبر أن صبرهم بر وألحقه بسائر الخصال المقرونة بالإيمان. فقال عز وجل:{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى قوله {المتقون}.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(انتظار الفرج بالصبر عبادة). فدخل في ذلك الصبر في البأساء وفي كل حال يكره ويرجى زوالها. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما مثل