وتدبر بثمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن كنت لا أراك تعرف هذا؟) وأمر نساءه أن يحتجبن عنه. وقال الله عز وجل:{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي فلا يؤذيهن المنافقون، أن يتعرضوا لهن إذا علموهن مؤمنات قصدًا إلى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو أولئك المؤمنين الذين ينسبن إليهم.
وهذا الذي ورد به الشرع من الحث على الغيرة، وبإلحاقها بشعب الإيمان، وإدخالها في جملة العري والأركان، فهو موافق لما جبل الناس عليه من الكراهية الشديدة لأن يصيب أجنبي من امرأة أحد منهم أو ابنته أو أخته، ما لا يحل له، وإن كان ذلك خطأ بعد أن يكون منسوبًا بما لو أظهره لشق احتماله والإغضاء عنه. فإن هذا باب تسفك فيه الدماء، وتنشأ منه إحن وبوائر، لا تعمل الحيل واللطائف في إطفائها. فإذا انضم الشرع إلى الطبع فقد تأكد الأمر ولم يكن لأحد مع ذلك أن يأخذ ما هو ينافيه مقدرًا، إن ذلك من باب الصفح الجميل، وبالدفع بالتي هي أحسن والعفو المستحب. بل ينبغي أن يعلم أنه هو باب التقصير القادح من الإنسانية المباين للديانة، الجالب للضرر العظيم، فإنه إذا تفحش ولم يحسم من أوله لم يؤمن أن يكون منه التباس النسب، والعار الذي يجلبه تلوث الفراش وسوء الأحدوثة ولو كان هذا كله محتملًا، ولو كان الأمر فيه عند الله يسيرًا، لما تناهر الزوج إذا قذف امرأته، ولما جعل إيمانه حجة له، ولما عذره بما لا يقدر الأجنبي القاذف به. ولما حكم بأن اللعان قاطع للفراش والنسب، فحرم عليه أبدًا. وإنما فعل ذلك كله على عظم لهذا الأمر عند الله. وما كان بهذه المنزلة، لم يكن الصبر عليه يستحسن، إنما يحمد الصبر على ما رضى الله تعالى الصبر عليه، وما ظهر أن الصبر عليه ليس بصائر. فأما ما نزل هذه المنزلة فالصبر عليه من أقبح الأمور وبالله التوفيق.
ثم إن الغيرة إذا كانت بالمحل الذي ذكرنا، فإنما تكون إذا وقعت في موضع الريبة. فأما إذا وقعت لا في موضع الريبة، فلم تطب نفس الرجل بأن يخلي أخته تخلو بأخيه، أو ابنته بابنه، او بأن تخلو امرأته وأخوها، أو امرأته وأبوها، فليس ذلك بمحمود.