للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من الغيرة ما يجب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله في غير الريبة). وكان إبراهيم يكره أن يبعث الخادم ليلًا في حاجة ويقول: أكره أن أعرضها للريبة. وذهب بعض أهل العلم، إلى أن معنى (أن الغيرة من الإيمان) الغيرة على الدين حتى إذا سمع ما يقع مخالفًا في الدين، يطعن في دين الإسلام أو يذكر الله عز وجل بما لا يجوز أن ويذكر به، أو يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يحل. أو يذكر القرآن بمثل ذلك لم يسكت ولم يعص ولم يظن أن ذلك من باب الغيرة المستحب، فإن هو أعصى وسكت كان منافقًا، لأن الله عز وجل قال في الجالسين مع الذين يستهزئون بآيات الله إنكم إذًا مثلهم، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا، وهذا قاله هذا القائل، إن كان مرادًا فذلك لا يمنع من أن يكون ما قلنا مرادًا. وقد يجوز أن يكون الحديث عامًا لهم، وإن كان خاصًا فالغيرة المعروفة إذا طلع ذكرها هي ما قلنا، فقصره عليها أولى من قصره على غيرها والله أعلم.

ومن صرف الحديث إلى الغيرة على الدين، إن جملة ذلك أن لا يخاصم المسلم اليهودي في المفاضلة بين نبينا وموسى صلوات الله عليهما. ولا النصراني في المفاضلة بين نبينا وعيسى صلوات الله عليهما. فإنه إذا فعل ذلك لم يؤمن أن يحملها المراد وما يقصدانه في المبالغة في تفضيل موسى وعيسى على أن بعضًا من النبي صلى الله عليه وسلم، بعضًا من أمره. فيكون المسلم مخاصمته إياهما هو الجالب لذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. وإذا أمكن أن يقع ذلك في الغيرة على الدين يقتضي مجانبته والتحرز منه. وقد قال الله عز وجل: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فسبوا الله عدوًا بغير علم} فصار هذا أصلًا في هذا الباب.

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع مسلمًا ويهوديًا يخاصمان، فيقول المسلم: لا والذي اصطفى محمدًا على البشر، ويقول اليهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر. فقال: (لا تفضلوني على موسى) وإنما أراد عنه بأن لا تفضلوني عند اليهود. وإذا كلمتم اليهود

<<  <  ج: ص:  >  >>