المال، والله عز وجل يقول في مثل هذا:{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} ومن وجوه البخل أن يعطى ثم يحدث بالذي أعطى، أو يمن به على من أعطى، وهما جميعًا مذمومان. قال الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. فالمن المتحدث به، والأذى التغير. وإنما ألحقنا الأمرين بالبخل لأن كل واحد منهما يوحش المعطى ويزيل عن قلبه السرور الذي كان له بالعطية، ويصفها عليه، فيصير المعطي كالمسترجع لها منه، أو كالراجع عليه بعوض، لأنه لا يسلم له منفعة ما أخذ إلا بما أخذ من عوضه بإزائه، ويكون ذلك شرًا من البيع في الابتداء والله أعلم.
فإن قال قائل: فإن البخلاء قد وصفوا لأنفسهم أصلًا فقالوا: المال لله، والعبد لله، فإنما عبد حرمه الله مالًا، فالأولى بالذي أعطاه أن يمنع من منعه الله، فإنه إن أعطاه فقد خالف ربه، وأراد أن يكون له الفضل عليه، إذ كان الرب قد منع وهذا يعطي.
فالجواب: إن هذا جهل عن قائله، وهو الذي حكاه الله تعالى عن الكفار فقال:{وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله، قال الذين كفروا للذين آمنوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه}. وهذا ظن فاسد، لأنه لو كان صحيحًا، لوجب أن يكون تعليم الجاهل ومداواة المريض وتخليص المحبوس، وكل عمل يعمله من يحسنه لمن لا يحسنه، ومن يقدر عليه، قبيحًا مستكبرًا لمثل العلة التي اعتل بها لتحسين البخل ومنع المحتاج. وإذا لم تكن هذه الأمور التي عددناها قبيحة بل كانت في نهاية الحسن، فكذلك الجود وإعطاء المحتاج مثلها والله أعلم.