الجماعة، أو حفر نهرهم وليس عند الجميع ما يقدرون به على تحمل المؤونة، وعند بعضهم من المال ما يتسع المؤاساه، والجمالة عن الآخرين، أو يقع بين قوم ثأر ولزم أن يؤاخيهم أو غير ذلك، ويمكن إصلاح ذات بينهم بشيء من المال. فإن الأحسن في هذا كله البذل والإنفاق والسماحة، وفيه الذكر والثوبة. فأما إذا قحط الناس وأعوز بعضهم الطعام، وكان عند الآخرين من فضول أقواتهم ما يقدرون به على المواساة، فحرام عليهم أن يحرموهم ولا يطعموهم، إما متصدقين وإما معارضين، وليس الإطعام في هذه الحال بجود، إنما الجود أن لا يرغب في العوض، فإن تصدق على المحتاج ولم يبعه الطعام فقد جاد، والله أعلم.
ومن الأوقات التي يستحب فيها الجود شهر رمضان، لأن الناس كلهم يكونون مشاغيل بالصيام والصلاة وقراءة القرآن. فإذا قام المكفيون الموسعون، بأمر الأوساط والمحتاجين يفرغوا للعبادة وإذا خلوهم وأنفسهم اشتغلوا بالسعي على أنفسهم على العبادة. فكان حمل الكلفة عنهم إرفاقًا لنفوسهم حتى لا يجتمع عليها جهد الصوم ونصب الاضطراب والتصرف وأعانهم لهم على العبادة.
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان أجود الناس بالخير، فكان أجود ما يكون في شهر رمضان. وكان يلقاه جبريل صلوات الله عليه، فيقرأ عليه القرآن. فكان إذا رآه أجود بالخير من الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن الريح المرسلة هي واحدة الرياح التي وصفها الله تعالى بأنه يرسلها بشرى بين يدي رحمته، وأنه يرسلها فتسير السحاب. وقال تعالى:{والمرسلات عرفا} وإنما أراد بذلك أنه لا يتمالك في تلك الحال، بل كان يسمح بما عنده كما أن الشيء الريح لا يملك حبس رائحته لكنها تفوح فيحبسها من يدنو منها والله أعلم.
فصل
ومن وجوه البخل أن يرد الواحد الصدقة، فيعمد إلى أرذل الأموال فيتصدق بها، وهذا بخل منه يجوده المال، كما أنه لو حبس الصدقة أصلًا لكان ذلك بخلًا منه بنفس