للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما توقير الكبير، فهو أن يسلك بالشيخ الكبير مسلك الوالد في التهيب والتقدير، وترك ما يوحشه من القول والعمل والطاعة له، فيما يأمر به، بعدما يحسن ويحمد. وترك المخالفة له فيما لا يدع إلى خلافة فيه ضرورة. فإذا أراد الناس أن يمضوا في شغل، قدموا إذا ضاق المكان بهم أسنهم، إن لم يكن فيهم نقص قدره في النقائض، فرق قدر السنن في الفضائل. وإن اجتمعوا في مجلس رفعوا أسنهم على ما وصفت. وإن جاء وقت الكلام قدموه. وإن حضرت الصلاة وهم في شرائط الإقامة سواء أو متفاوتون في نحو ذلك والله أعلم.

والأصل في توقير الكبير شيئان: أحدهما أن أكبر الناس شبيه لكل واحد منهم لأبيه لأنه أسبقهم في الزمان. والسبق في الزمان ضرورة لإمكان الأبوة. لأنه لا يمكن إلا أن يكون الأب سابقًا في الوجود للولد. فمن كان أسبق القوم زمانًا فهو الذي كان يمكن أن يكون أبًا للجماعة. فصار ذلك رجحان فيه، مقتدى به على غيره، فاستحق عليه التقديم.

والآخر: أن أول ما يفضل الله تعالى به على عباده، هو أن أوجدهم، فمن كان منهم أسن فهو الذي بدأ به فيما أفضل به عليه من الإيجاد، فإذا دعت الحاجة إلى أن يبدأ من قوم في أمر من الأمور بأحدهم، وكانوا في عامة الإسلام سواء، إلا أن أحدهم أسن تقديمه والتبدية به أولى، إذ كان الله عز وجل عند استوائهم في العدم لما أراد إيجاد أحدهم بدأبه فأوجده قبل غيره هذا ولو شاهدنا ملكًا عليها، أو رئيسًا حكيمًا يفرق مالا بين قوم فيكرمهم به، لاستدللنا بتقديمه الذي قدمه منهم على أنه أقربهم وسيلة. وكذلك الظاهر ممن بدأ الله تعالى في المن مالا يجاد عليه أن ذلك وسيلة قد جعلها الله له. فكانت التبدية به على من ليس له مثل سنه أولى، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>