فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فقطعه، وكان غريبًا لم يكن له أهل بالمدينة في شدة البرد، فقام رجل يقال له قاتل، فضرب عليه خيمة وأوقد له نويرة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الليل فأبصر النار، فقال:(ما هذه النار؟ قيل: يا رسول الله، المصاب الذي قطعته. كان رجلًا غريبًا لم يكن له بالمدينة أحد أواه قاتل، فضرب له خيمة وأوقد له نويرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لقاتل كما آوى عبدك هذا، المصاب).
وفي الرحمة قالت عائشة رضي الله عنها: دخلت علي سائلة فأمرت لها بثلاث تمرات، ومعها صبيان. فأعطيت كل واحد منها تمرة، وصدعت الأخرى بنصفين فأعطيت كل واحد منهما نصفها. ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:(وما أعجبك من ذلك، لقد دخلت بذلك الجنة). وقال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب (إذا دخل الحسين ابن علي فوطئ في ثوبه فسقط، فبكى. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فلما رآه الناس صفوا إلى الحسين يتعاطونه، يعطيه بعضهم بعضًا حتى وقع في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه إليه ثم قال: (قاتل الله الشيطان، إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت إني نزلت عن منبري).
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا ينزع الرحمة غلا من شقي، وإن من لا يرحم لا يرحم).
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في وجع إبراهيم عليه السلام، إن عينيه كانتا تدمعان وقال:(إنما هي رحمة، وإن من لا يرحم لا يرحم). وينبغي أن يدخل في هذه الجملة رحم كل مولى عليه من ولد أو مملوك أو زوجة أو رعية سلطان. وقد قال الله عز وجل في الزوجات {وجعل بينكم مودة ورحمة}. فأما رحم الصغير فهو تعريفه لما فيه صلاحه، وتجنيبه لما يضره، والولوع بحفظه وحراسته، فعل من يجزع أن يسمه سوء، ويتخلف عنه نفع. فإن الرحمة كما ذكرنا وصف مركب من حب وجزع، فمن لم يقدر على شيء من ذلك، كأن يتمنى له ما هو محبوب عنده، ويجزع من أن يصيبه ما هو مكروه عنده.