جفاء، لأنه لم يخلط أخاه المسلم في هذا الحد أصلًا وليس الوجه الذي قيل هذا مثله لأنه إذا حمد الله تعالى على أن لا يعمهما بالبلاء، فقد حمد الله على إحسانه إلى المثل بأن لم يعممه به بنفسه، إن عمد بأخيه المبتلى، فأما هذا الوجه الآخر فإنه إغفال من الحامد أو غيره أصلًا، فلهذا قلنا أنه جفاء وبالله التوفيق- فصار الوجه المرتضى من الحمد.
كما روى عن عروة بن الزبير- رضي الله عنه- أنه لما قطعت رجله قال: ليهنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أعطيته. وروى أنه تمثل النبات ثم قال: اللهم إن كنت أخذت عضوًا فلقد أبقيت عضوًا، فلك الحمد.
فصل
وكل ما كتب في الباب الذي قبل هذا من وجوب مباعدة الكفار والغلظة عليهم، والقول في مساعدة المسلم أهل دينه بخلافه، وينبغي للمسلم أن يقارب إخوانه من أهل دينه، ويؤالفهم ويوادهم ويتحبب غليهم بكل ما يمكنه، ويبرهم ويصلهم، ولا يؤذي أحدًا منهم ولا يخرجه ولا يعتبه، ولا يخاطبه بما يكرهه، مبتدئًا إياه غاصًا به، ولا يلمزه ولا يهمزه، ولا يسخر منه، يضحك، ولا يضحك غيره منه، ولا يغتابه ولا يرضى من أحد أن يغتابه عنده، ولا يفشي له سرًا يكره أن يوقف عليه، ولا يتبع له عورة، ولا ينبزه بلقب، ولا يجانب له عبدًا ولا جارية ولا امرأة، ولا يفسد عليه حالًا صالحًا قد رضيها لنفسه، وسكن إليها قلبه، ولا يغير عليه قلب سلطن، ولا قلب من يضره بغير قلبه له. قال الله عز وجل:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا}. وقال:{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم} يعني لا يلمز بعضكم بعضًا، ولا تنابزوا بالألقاب. وقال:{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا} ثم ضرب للغيبة مثلًا ينكرها به إلى قلوب المؤمنين، فقال: {أيحب