المراد به التفريق في الموقف والحساب، فإنه ذلك ليس بموضع لاستيئاس الأحبة بعضهم ببعض، وإنما هو تفرقة المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. فلم يبق أن يكون هذا التفريق إلا أن أحبته يصارون إلى الجنة، وهو إلى النار. ولولا تفريقه بين الوالدة وولدها لكان معهم.
فإن قيل: فأولئك الأحبة لا ينالون بالتفريق بينه وبينهم. قيل: لا، لأن التألم عذاب، ولا عذاب عليهم.
ومن هذا الباب أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أحل لي الزنا، فقال:(أتحب أن يفعل ذلك بابنتك وأختك؟ قال: لا. قال: فإن الأقوام يكرهون ذلك كما تكره. قال: فادع الله أن يذهب عن شهوة النساء، فدعا له)، فلم يكن يلتفت إلى النساء.
ومن هذا الباب إماطة الأذى عن الطريق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير إلا غصن شوكة كان على الطريق يؤذي الناس فرفعه، فغفر له).
وعنه صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قطع شجرة كانت على الطريق تؤذي الناس قال:(فلقد رأيته في طلعها في الجنة). وعنه صلى الله عليه وسلم:(لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، ولكن اقتلوا منها كل أسود بهيم).
ومما يدخل في هذا الباب أن واحدًا إذا أبصر من نفس أحد وولده أو ماله ما يعجبه لم يعجب منه مادحًا له. ولكن بسم الله تعالى عليه ويترك، لئلا يمسه من عينه أذى، لأن العين حق. جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن العين لتدخل الرجل القبر، والحمل القدر).