من قول يقول بالصلة والمعلول. والخامس: إثبات أنه مدبر ما أبدع ومصرفه على ما شاء لتقع به البراءة من قول القائلين بالطبائع أو تدبير الكواكب أو تدبير الملائكة.
فأما البراءة بإثبات الباري عز وجل والاعتراف له بالوجود من ماعين التعطيل، فإن ثوما ضلوا عن معرفة الله عز وجل وكفروا وألحدوا وزعموا أنه لا فاعل لهذا العالم، وأنه لم يزل على ما عليه، ولا موجود إلا المحسوسات، وليس وراءها شيء، وإن الكوائن والحوادث إنما تكون تحدث من قبل الطبائع التي في العناصر وهي الماء والنار والهوى والأرض، ولا مدبر للعالم يكون ما يكون باختياره وصنعه. فإذا أثبت المثبت للعالم إلها ونسب الفعل والصنع إليه، فقد فارق الإلحاد والتعطيل، وهذا أحسن مذاهب الملحدين والعاملين يسميهم غيرهم من أهل الإلحاد الفرقة المتجاهلة وقد يدعونهم غير الفلاسفة.
وأما البراءة من الشرك إثبات الوحدانية، فلأن قوما ادعوا فاعلين، وزعموا أن أحدهما يفعل الخير والأخير يفعل الشر، وزعم قوم أن بدء الخلق كان من النفس، إلا انه كان يقع منها لا على سبيل السداد والحكمة، وأخذ الباري على يدها، وعمد إلى مادة تدعمه كانت موجودة معه لا تزل، فركب منها هذا العالم على ما هو عليه من السداد والحكمة، وإذا ثبت المثبت أن لا إله إلا الله واحد، وأن لا خالق سواه، ولا قديم غيره، فقد انتفى عن قوله الشريك الذي هو في البطلان، ووجوب اسم الكفر لقائله كالإلحاد والتعطيل.
وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: أنه جوهر، ومنهم من قال: أنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرض كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك.
فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شيء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهرا ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث أنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث أنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء.