للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما البراءة من التعليل بإثبان أنه مبدع كل سواه، فلأن قوما من الأوائل خالفوا المعطلة ثم خذلوا عن بلوغ الحق فقالوا: أن الباري موجود، غير أنه علة لسائر الموجودات وسبب لها، بمعنى أن وجوده اقتضى وجودها شيئا فشيئا على ترتيب لهم يذكرونه، وأن المعلول إذا كان لا يفارق العلة، فواجب إذا كان الباري لم يزل أن يكون مادة هذا العالم لم يزل به، فمن أثبت له المبدع الموجود المحدث لكل ما سواه من جوهر وعرض باختياره وإرادته المخترع لها لا من الأصل فقد انتفى عن قوله التعليل الذي هو في وجوب الكفر لقائله كالتعطيل.

وأما البراءة من التشريك في التدبير بإثبات أنه لا مدبر لشيء من الموجودات إلا الله، فلان قوما زعموا أن الملائكة تدبر العالم وسموها آلهة. وزعم قوم أن الكواكب تدبر ما تحتها وإن كل كائنة وحادثة في الأرض، فإنها هي من آثار حركات الكواكب واحتراقها، واتصالها وانفصالها وغير ذلك من أحوالها.

فمن أثبت أن الله عز وجل هو المدبر لما أبدع ولا مدبر سواه، فقد انتفى عن قوله التشريك في التدبير الذي هو في وجوب اسم الكفر لقائله، كالتشريك في القدم أو في الخلق، وكان معنى من هذه المعاني معقده، ولهذا لم يكن الاعتقاد إحدى شعب الإيمان أو الاعتراف شعبة ثانية، بل كانا معا شعبة واحدة إذا كان المحصل بعقد القلب هو المحصل بلفظ اللسان.

فصل

ثم أن لله جل ثناؤه ضمن هذه المعاني كلها كلمة واحدة وهي لا إله إلا الله، وأمر المأمورين بالإيمان لأن يعتقدوها ويقولها، فقال عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} وقال فيما ذم به مستكبري العرب: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون: "أأنا لتاركوا إلهتنا لشاعر مجنون"} والمعنى أنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله استكبروا ولم يقولوا، بل قالوا مكانها أأنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون.

ووصف الله تعالى نفسه بما في هذه الكلمة في غير موضع من كتابه فقال: {الله لا

<<  <  ج: ص:  >  >>