أبدع قبل أن يبدع، فكما وجب عند الإبداع اسم البديع، وجب له أسم الباري.
والآخر: أن المراد بالباري فالبر الأعيان، أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة، كما قال عز وجل:{وجعلنا من الماء كل شيء حي}. وقال:{إني خالق بشرا من طين} وقال: {ومن آياته أن خلقكم من تراب} وقال: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} وقال: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار}.
وقال:{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقت آخر} فيكون هذا من قولهم: برأ القواس القوس إذا صنعها من موادها التي كانت لها فجاءت منها لا كهيئتها، والاعتراف لله عز وجل بالإبداع يقتضي الاعتراف له بالبرء، وكان المعترف يعلم من نفسه أنه منقول من حال إلى حال إلى أن صار ممن يقدر على الاعتقاد والاعتراف.
ومنها الذارئ: ومعناه المنشئ، والمعنى قال الله عز وجل:{جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه} أي جعلكم أزواجا وذكورا وإناثا لينشئكم ويكثركم وينميكن، فظهر بذلك أن الذر ما قلنا، وصار الاعتراف بالإبداع يلزم من الاعتراف بالذرء ما يلزم من الاعتراف بالبرء.
ومنها الخالق: قال الله عز وجل: {هل من خالق غير الله} ومعناه الذي صنف المبدعات وجعل لكل صنف منها قدرا، فوجد فيها الصغير والكبير والطويل والقصير والإنسان والبهيم والدابة والطائر والحيوان والموات، ولا شك أن الاعتراف بالإبداع يقتضي الاعتراف بالخلف إذ كان الخلق هيئة الإبداع فلا يغني أحدهما عن الآخر.
ومنا الخلاق: قال الله عز وجل: {بلى وهو الخلاق العليم} ومعناه الخالق خلقا من بعد خلق.