يصلح مكانه عند وصله بالباء. إذ قد يجوز أن يقال:"آمنت لله وأسلمت لله"، ولا يجوز أن يقال:"أسلمت بالله" كما يقال: "آمنت بالله". فثبت بهذا ثبوتا ظاهرا إن الإيمان لله غير الإيمان بالله، وأن الإيمان بالله إثباته والاعتراف به. فلما لم يكن من قولهم أسلمت بالله، هذا المعنى، لم يجز استعماله وأن الإيمان لله هو الطواعية له بإتباع أوامره بعد الاعتراف به، إذ كان إتباع الأمر مع الجحود لا يتحقق، فلما كان ذلك إسلاما للنفس وتسليما لأمر الله، صح أن يقال:"أسلمت لله"، فبان عما قلنا أن من قال:"آمنت بالله"، كان الإثبات والاعتراف به هو المعنى المضاف إلى صيغة اللفظ، وأما ما فيه من معنى الطاعة فهو من تأويل اللفظ لا من حكم صيغته. وأما من قال:"آمنت الله"، كان الإذعان والطواعية له بقبول أوامره وسائر ما جاء من عنده، هو المعنى المضاف إلى صيغة اللفظ. فأما ما فيه من معنى الإثبات له والاعتراف به، من حيث أن إتباع الأمر والنهي لا يكون إلا مع الاعتراف، فهو من تأويل اللفظ لا من حكم صيغته، والله أعلم.
فصل
ومن هذا الوجه الذي بيناه أوجبنا أن تكون الطاعات كلها: فرائضها ونوافلها إيمانا، ولم نوجب أن تكون المعاصي الواقعة من المؤمنين كفرا. وذلك أن الكفر بالله أو برسوله مقابل الإيمان به. فإذا كان الإيمان بالله أو برسوله الاعتراف به والإثبات له، كان الكفر به جحوده والنفي له والتكذيب به. فأما الأعمال فإنها إيمان لله ولرسوله بعد وجود الإيمان به. والمراد به إقام الطاعة على شرط الاعتراف المتقدم، فكان الذي يقابله هو الشقاق والعصيان دون الكفر، فلذلك قلنا أن تارك الإتباع مع الثبات على التصديق فاسق وليس بكافر. وكان هذا هو الذي يوجبه اللسان إلى أن يحقق المعاني وينظر فيما يوجبه، والله أعلم.