ثم أن التصديق الذي هو معنى الإيمان بالله وبرسوله ينقسم: فيكون منه ما يخفى وينكتم، ويكون منه ما يتجلى ويظهر، وأما الذي يخفى فهو الواقع منه بالقلب ويسمى اعتقادا، وأما الذي يظهر فهو الواقع باللسان ويسمى إقرارا ويسمى شهادة. وكذلك الإيمان لله ولرسوله ينقسم: إلى جلي وخفي. فالخفي منه هو النيات والعزائم التي لا تجوز العبادات إلا بها. واعتقاد الواجب واجبا والمباح مباحا والرخصة رخصة والمحظور محظورا والعبادة عبادة والحد حدا ونحو ذلك. والجلي ما يقام بالجوارح إقامة ظاهرة وهو عدة أمور: منها الطهارة ومنها الصلاة ومنها الحج ومنها العمرة ومنها الزكاة ومنها الصيام ومنها الجهاد في سبيل الله، وأمور سواها ستذكر في مواضعها. وكل ذلك إيمان وإسلام وطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه إيمان لله بمعنى أنه عبادة له، وإيمان للرسول بمعنى أنه قبول عنه دون أن يكون عبادة له، إذ العبادة لا تحق لأحد عز وجل.
فصل
ونقول: الخلاف في هذا الأصل الذي تقدم من قبل اللسان تمهيده كثير، ولكن القصد في هذا الكتاب، الكلام على الفريقين:
أحدهما: الذين يقولون أن التصديق بالقلب كان لإثبات الإيمان ومزايلة الكفر، وأن الإقرار باللسان وإن كان فرضا، فليس أن الكفر لا ينتفي إلا به، وإنما هو كالصلاة والزكاة وغيرهما من أركان الإسلام. وهي وإن كانت فرضا، فالكفر ينتفي من دونها، فكذلك الإقرار.
والآخر: الذين يقولون أن التصديق بالقلب واللسان معا هما الإيمان، فمن اعتقد بقلبه وأقر بلسانه فقد استكمل الإيمان، وأما سائر الطاعات والعبادات فاسم الإيمان لا يلحقها، وإنما يقال أنها حقوق الإيمان أو شرائع الإيمان، فأما الإيمان نفسه الاعتقاد والإقرار. وأما نحن فنقول: أن اسم الطاعات كلها فرائضها ونوافلها. فالاعتقاد