ويقال له: إن كانت ما عارضتنا به لازما؟ فقل: إن الذي تنتهي إليه أجسام العالم بما تسميه خلاء لما كان متناهيا إلى أجسام، وجب أن يكون وله وراء ذلك تناهي إلى أجسام وأنت لا تقول، بل تقول أن الخلاء لا نهاية له، فبطلت بذلك معارضتك.
ويقال له: السماء من الجهة التي تلينا متناهية عندك إلى النار، والنار إلى الهواء والهواء إلى الماء والأرضين، ومعلوم أنه لا سبلي إلى إثبات أنها تتناهى من الجهة التي لا تلينا إلى مثل ما تناهت إليه من الجهة التي تلينا، فثبت أن القضاء في هذا الغائب بحكم المشاهد ممتنع باتفاق. وأيضا فإن الذي يدعونه لا سبيل إلى إثباته لأنه لو كان في الأول مكان خال لا شيء متمكن فيه لما جاء! فإن تغير عن حاله. فيصير ببعضه أو كله مكانا لأجسام يتمكن فيه! لأنه لو كان مات خلا كبقيته، لكان التغير مستحيلا عليه مع بقاء نفسه، ولما كان إثبات الخلاء يردي إلى المحال صح أنه سبيل إلى إثباته، وان أجسام العالم كانت لا إلى شيء والله أعلم.
وأيضا: فإن الأفلاك لا تعزى عن الأحداث لأنها دائمة التحرك، والحركة حدث، لأن الحدث ما لم يكن ثم كان، فلما لم يعرض الحدث وجب أن يكون بأنفسها لأن كل ما لم يكن خاليا من شيء لم يجز إذا كان أحدهما ابن خمسين سنة أن يكون الآخر ابن ستين سنة، فكذلك إذا كانت الأفلام لم تخل من الحركة، وكانت الحركة بأحد، لم يجز أن تكون الأفلاك قديمة.
فإن قال قائل: فإني أقول أن الأفلاك كانت ساكنة ثم تحركت! قيل له: هذا محال، لأنها لو كانت قديمة، وكانت في قدمها ساكنة، لكان حكم سكونها حكم وجودها، وهو أنها تكون ساكنة لسكون لا سبب له، كما تكون موجودة بوجود لا سبب له، ولو كان كذلك لما جاز أن يعدم ذلك السكون إلى الحركة، كما لا يجوز- عندك- على ذاتها أن تعدم، وإن كانت، قد كانت ساكنة ثم تحركت. فذلك دليل على أن سكونها لم يكن لها إلا عن سبب، وهو لمتسكين الفاعل أبلها وإذا كان التسكين