فعل فاعل بها كالتحويل ببنيانها، لم يخل من تسكين مسكن وتحريك محرك، فلم يجز مع ذلك إلا أن تكون سابقة لها. فثبت أن فاعل السكون والحركة فيما هو فاعلها، وبالله التوفيق.
فإن قال قائل: أن حركة الفلك حركة دور وحركة الدور لا بدء: ولا نهاية، فكيف؟
فالجواب: إن هذا جهل عظيم! لأن حركة المنحنون وحركة الرحى حركة دور، ولا يخلو الواحد منهما من أن تكون لحركته بدء ونهاية. لان من قبل أن يتحرك يكون ساكنا ثم يعود بعد حركته إلى السكون، فمن استحال أن تكون لحركة الأفلاك بدء ونهاية، وإن كانت حركة دور.
ويقال له: حركة دور الدور ولا تخلو من الابتداء لأنها إذا لم تكن ثم كانت ثم انقطعت، فقد وجد الابتداء والانتهاء ضرورة. وأما الذي يصح أن يقال في هذا أن جزءا مما يتحرك حركة الدور لا يسبق الحركة إليه قبل جزء، فتكون الأجزاء لا أول لها من حلول الحركة إياها، ولسنا ندفع أن يكون ذلك حال الفلك. وأما الحركة نفسها ببدئها وانتهائها فيما بينا عيان، فكان حكم الغائب مثله والله أعلم.
ويقال: أن المتحرك دائما دائم الغير، والموجود لذاته لا لسبب لا يجوز عليه التغير، فلو كان الفلك موجودا لذاته لا لسبب، لم يجز أن يكون دائم التحرك فيكون وقتا فوق الأرض ووقتا تحت الأرض، ولم يكن لونه فوق الأرض حين يكون فوقها أولى من كونها تحتها، ولا كونه تحتها حين يكون كذلك أولى من كونها فوقه، فثبت أنه موجود لسبب، فإن الذي له حده هو الذي يدبرهما يؤخذ عليه.
وأيضا فإن الأفلاك طيات معدود، وإذا ثبت العدد، وفي ذلك ما يوجب حدتها. وأيضا فإن الأفلاك أجزاء من السماء متحركة، وفي ذلك بيان أن بعض السماء متحرك وبعضها ساكن وكل واحد منهما حد للآخر، فإن الجزء المتحرك منها ينتهي إلى الساكن والجزء الساكن منها ينتهي إلى المتحرك، فقد ثبتت النهاية للبعضين، وفي ثبوت المتناهي بطلان أن يكون بطلان موجود لذاتها لا لسبب وبالله التوفيق.
وما قلته في السماء فهو في الأرض مثله وأبين؟ لأن أجزاء الأرض تقبل في العيان أنواعا من الاستحالة، وكذلك الماء والهواء لأن أجزاء كل واحد من هذه الأشياء يجتمع مرة