ويفترق أخرى وينقل من حال إلى حال وفي ذلك شيئان: أحدهما أن ذلك يبين أنها لست موجودة لأنفسها من غير سبب، لأن الموجود لنفسه لا يجوز عليه التغيير، فانا إذا توهمنا له صفة ما وجب أن يتوهمها ثانية له لنفسه كالوجود، فإذا ثبت له ذلك الصفة لم يجز أن يعدم إلى خلافها لأن ذات القديم لا يجوز أن تكون محلا للحوادث، وفي تعاقب الأحوال المختلفة على أجزاء ما ذكرنا دليل على أنها غير موجودة لأنفسها. والآخر: أنها إذا لم تكن قط منفكة من الحوادث، فقد وجب أن تكون بأنفسها حدثا كما ثبت.
فإن قال قائل: فأنا لا نقول أن الطينة الأولى كانت خالية من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون.
قيل له: ومن سلم لكن أن طينة كانت، تصفونها بما ذكرتم أو خلافه، وأنه ضرورة تدعو إلى انتهائها. ويقال لهم: إن كانت! فأي العرضين سبق إليهما الاجتماع أو الافتراق؟ لأنا نجد الاجسام قابلة للأمرين، فإن قالوا: الاجتماع هو الذي سبق! قيل: فهذا يدل على أنها كانت ابعاضا مجتمعة فكيف يقولون: أنها كانت خالية من الاجتماع! على أنها لو كانت في الأولى مفترقة لكان الافتراق واجبا لها لذاتها، ولما جاز على الافتراق أن يقدم ولو كانت في الأول مجتمعة، لكان الاجتماع واجبا لها لذاتها، ولما جاز عليها أن يقدم في وجود الاجتماع والافتراق متعلقين على الأجسام دل على أن كل واحد منهما ليس بأولى في وجود الجسم غير منفك منهما ما دل على أنه حدث مثلها والله أعلم.
فإن قال قائل: إذا ثبت لكم أن ابعاض الأرض والماء والهواء تقبل الاستحالة ولم يثبت لكم أن كلها تقبل الاستحالة، ولأن السماء تقبل الاستحالة في جزء لا في كل، فمن أين ادعيتم أن كلها أو السماء حدث.
فالجواب: أنه إذا لم يكن جزء من هذه الأشياء إلا وهو قابل للاستحالة، صح أن الكل لم يعدم استحالته، لأن الاستحالة غير جائزة عليه لكنه الذي يحيل ابعاضها منها ليس يحل كلها ولو شاء أن يحيله لم يمتنع عليه. وهذا أيضا حجة في الأفلاك وفي سائر أجزاء السماء، لأن السماء متماثلة الأجزاء، فلما جاز على بعضها أن لا يتحرك جاز على البعض الآخر أن يعدم حركته فيصير إلى مثل حال سائر الأجزاء، وجاز على غير المتحرك منها