للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موجد، وأكد هذا على من أقر بالله جل ثناؤه، وأنكر الاختراع بأن الله جل ثناؤه لو كان لا يقدر على أكثر من تركيب الجسم من جواهر موجودة لكان ذلك نقصا به وعجزا، لأن منزلته لا تعدوا في التركيب منزلة الناس.

وكان فضل ما بين تركيبه وتركيب الناس، كفضل صناعة الصانع على صنعة النجار، وفضل صنعة الرفاء على صنعة الخياط، وفضل صنعة الخباز والطباخ على صنعة من يجمع شيئا إلى شيء بلا تأليف أو تركيب وذل غير جائز. فصح أن لا يحتاج في الخلق إلى مادة تكون حاضرة فيركب منها جسما، لأن الحاجة نقص، وشيء من النقائص غير جائز عليه وبالله التوفيق.

ويقال لهم: ليس في إبداع شيء من لا شيء إلا ما في تركيب الجواهر من غير مماسه إياها، وذلك ليس يستحيل في العقل. فما أنكرتم أن الإبداع ليس بمستحيل فيه.

ويقال لهم: إذا جاز أن تركيب الباري جل ثناؤه الجواهر بلا مماسة، لأنه قادر لا بسبب، فلذلك يفعلها ويجده عن عدم لأنه قادر لا لسببن ولا يلزم على هذا المحال الذي لا يجوز وصفه لمقدور، لأن ذلك إنما استحال لتناقضه، ولا تناقض في وجود الجواهر بعد عدمه. فصح أنه يجوز أن يكون مقدورا لا مماسة.

ويقال لهم: الموجود الحي العالم القادر لا بسبب ينيل غير الموجود وجودا، فلا يستحيل، كما أنه ينيل غير العالم علما، وغي الحي حياة وغير القادر قدرة، بل ذلك أولى، لأن الإيجاد أخص بالموجود من العلم والأحياء والأقدار، وإذا جاز عليه إيجاد العلم أو القدرة أو الحياة لغيره، لأنه مع هذه الصفات موجود لا لسبب كان إيجاده الوجود لغيره مثل ذلك أو أجوز وبالله التوفيق.

ويقال لهم: إن المادة التي تدعون قدمها، إذا حقق الخلاف فيها رجع إلى اللفظ دون المعنى، لأنكم تزعمون أنها قديمة بالقوة دون الفعل، والذي يعقل من الموجود بالقوة والموجود بالفعل، أن الموجود بقوة ما يمكن أن يخرج إلى حقيقة الوجود ولما خرج، والموجود بالفعل هو الذي خرج إلى حقيقة الوجود وارتفع عنه اسم المعدوم، وإذا كان كذلك، فليس يجب قولكم: إن المادة قديمة، إلا أنه يمكن وجوها. وقد قلتم: أنها ما لم تخرج إلى حقيقة الوجود، وهي التي تسمونه الوجود بالفعل لم تقبل الخلق والتركيب فثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>