تكون كل كائنة في الوقت الذي كانت فيه، وهذا يبين أنه لا تغير له بوجه من الوجوه.
وأما غير أهل الحديث، فإن الإرادة عندهم من صفات الفعل، لا من صفات الذات، فهل تحل المراد ولا تحل الود، كما أن الخلق حل المخلوق ولا تحل الخالق، فلا يؤدي واحد من القرائن إلى إجازة التغير على الباري جل ثناؤه وتقدست أسماؤه.
وأما العلم فإنه إثبات الشيء على ما هو به، وإذا كان الشيء معدوما وما علمه معدوما وإذا كان موجودا، علمه موجودا، فيثبته في كل حال على ما هو به، وذلك لا يوجب غير علمه، إنما يوجب تغير المعلوم، لأنه علمه بالمعدوم لم يكن إلا أثباته إياه على ما هو به، فإذا صار موجودا فقد أثبته على ما هو به بان أن العلم اختلف وبالله التوفيق.
فصل
فإن قالوا: لا يجوز أن تكون طينة العالم إلا قديمة لان حدوث شيء لا من شيء، مستحيل في العقل!
فيقال لهم: أن كان ذلك مستحيلا في عقولكم، فليس بمستحيل في عقول عالم من الناس مثلكم، أو أكثر منكم. فكيف صارت عقولكم عيارا على عقول غيركم دون أن تكون عقول غيركم عيارا على عقولكم! وقد أجيبوا أن الحادث القديم فسمان يخرجهما العقل عند تقسم الموجود وكتخريجه الوجود والمعدوم والجائز والممتنع والحسن والقبيح. فكما أن حقيقة كل من ذلك ثابتة لا تدفع، فكذلك الحادث والقديم لا تدفع حقيقته واحد منهما فلا يحال وجوده. فإذا كانت حقيقة القديم الموجود لا عن أول كانت حقيقة الحادث الموجود عن أول، فوجب أن لا تدفع حقيقة الحدث عن بعض الموجودات، ولا يقال لا حادث، كما لا يقال لا موجود أو لا معدوم، أو لا حسن، أو لا قبيح، أو لا جائز، أو لا ممتنع. فصح بما ذكرنا أن الحدوث ليس بمستحيل في الفعل إذا كان العقل قد خرج في مقابلة القدر، ولا جائز أن يثبته بم يمنع مفه ويدفعه.
وقد أجيبوا بأن حدوث الشيء أن كان غير جائز، فلسنا نقول أن شيئا حدث بنفسه لا من شيء، بن نقول إنما حدث بمن يحدثه، لأنه أحدثه محدث وأوجده