وأن قلتم أن الفعل وغير الفعل موجبان بغير أحوال المفعول. فلا يوجب أن تغير أحوال الفاعل. قلنا: وكذلك تعاقب الأعراض على الجواهر، فوجب تغير الأعراض في أنفسها. فأما الجواهر فأنها بحالها لا تتبدل، ولأنها لا تستحيل ولا تتغير ولا تفسد، فما دلالتكم إذا على حدثها؟
فالجواب: أن حمل الجواهر للأعراض هو الدليل على حدثها، وذلك أن للعرض حدوثا وانقضاء ولا بدله من شيء يكون حدوثه وانقضاؤه فيه، ووجدنا الجوهر حاملا للأمرين فيه ودل ذلك على أن بقاء الجوهر عرض حادث، فلذلك أمكن أن يحدث العرض فيه.
ولو كان الجوهر قديما لم يكن بقاؤه عرضا، فكان لا يلائم الوجود لعرض من شيء آخر ولا يحمله، ألا ترى أن الباري جل ثناؤه لا يجوز أن يكون حاملا للأعراض وما ذلك إلا كما وصفت، فلو كانت الجواهر قديمة لكان حكمها فيما ذكرت حكمه، ولما لم يكن كذلك بل كانت حاصلة للأعراض، علما أن المعاني التي تسمى أعراضا إنما جاز أن يعترض فيها المجانسة التي بين ثقلها حال حدوث الأعراض فيها وبين ذلك الأعراض.
وهذا يدل على أن الجواهر ليست بقديمة، ومعنى وصفنا إياها بالتغيير أنها مجال للأعراض فهو يقبلها أو يحملها مع اختلافها فتصير لأجل ما حمله منها موصوفا مرة بصفة وموصفا بضدها أخرى. والعقلاء لا يفرقون الغير إلا هذا، وما يزيد وضوحا أن من الأعراض التي تحمل الجواهر ما يعدمها بفعل حال إلا وقد يحلها خلاف ذل فيعجزها عن ذلك الفعل حالا، وكالإنسان يصبح ليفعل أفعالا كثيرة، ثم يعرض فلا يتبع لملك الأفعال، ومعلوم أن الفعل إنما يقع من الجواهر وإذا اتسعت للفعل حالا ولم يتسع له أخرى، فقد وجب التغير.
وأما الباري جل جلاله فإنه تعالى عن الأعراض أن تحله، والأحوال أن تكون له. وأما وجود الفعل منه بعد أن لم يكن، فلا يوجب لغيره لأنه لا يفعل في نفسه وإنما يفعل في غيره، فذلك الغير هوا لذي اختلف حاله، فكان مرة معدوما ومرة موجودا، وأما الارداة والقول فإن أصحاب الحديث يقولون: أن الله جل جلاله لم يزل مريدا أن