قيل له: ولا سؤالا بها إذا كانت خلقا لخالق بعلق وجودها بمشيئته، فإن شاء أحدث وخلق، وإن شاء لم يحدث ولم يخلق. فأما إذا كان الحدوث اتفاقا، فليس شيء بالحدوث اتفاقا أولى من شيء، ولا وقت وجود الاتفاق فيه أولى من وقت، وإن لم يكن الوجود اتفاقا أولى من لقدم اتفاقا، فهذا فرف ما بين القولين وبالله التوفيق.
فصل
فإن قال قائل: قد ثبت جاز أن يكون الباري جل ثناؤه اخترع الجواهر، فما الذي يدل على أن وجودها من قبل اختراعه لا من حيث أنه كان علة له، فوجب عن وجوده وجودها.
قيل: -وبالله التوفيق- أنكرنا ذلك لأن قائل هذا القول لا يخلو من أن يقول: أن الجواهر وجدت لوجود الباري عن غير اختيار منه واردة لوجودها وكونها، أو يقول: وجب عن وجوده من غير اختيار كان منه، ولا إرادة!
فإن قال: إنما وجدت لاختياره وإرادته! قيل له: وجدت عندك بعد أن لم تكن. أو يقول: كانت موجودة معه باختياره وإرادته! قيل له وجدت عندك بعد أن لم تكن.
أو يقول: كانت موجودة معه باختياره وارداته، فإن قال: وجدت باختياره وإرادته بعد أن لم تكن، فهذا قولنا. وإنما الخلاف بيننا في تسمية الله عز وجل علة، فإنا لا تخبر ذلك لما فيه من اتهام الباطل، وأنه اسم لم يأت به كتاب ولا سنة، ولا وقع عليه من المسلمين إجماع، ولا هو في معنى ما ورد به النص أو وقع الإجماع عليه.
وإن قال: كانت موجودة معه لا باختياره وإرادته! قيل له: فهي إذا قديمة عندك. فكل دليل أقمناه على حدثها فهو حجة عليه. ويقال له: ما أنكرت أنه يستحيل، فلا يمكن أن تكون لم تزل موجودة معه بشرط اختياره وإرادته لأن وجوده معه، يوجب قدمها، وتعلق ذلك الوجود بإرادته يحل قدمها، لا ما كان لوجوده سبب لم يكن قديما إذ القديم هو الذي لا سبب لوجوده. وما كان لوجوده سبب، اختص وجوده بذلك السبب، فكان موجودا من جهته ولأجله. ولو توهم منفكا من ذلك السبب لم يكن أن يتوهم موجودا، وهذا هو المحدث.