فأما القديم فهو الموجود بالإطلاق الذي لا يمكن أن يضاف وجوده إلى ما سواه.
فصح أن وصف الجواهر بأنها لم تزل موجودة مع الباري جل جلاله، وإن وجودها معه كانت باختيار وإرادته، قول متناقض وحكم فاسد.
فإن قال: إنما كان يلزمني هذا لو أجزت إمكان إن كان يكون الباري في الأزل غير مريد لوجود هذه الجواهر معه. قيل: هذا هو الحال الذي لا يجوز الذهاب إليه. لأن الجواهر أن كانت لم تزل موجودة مع الباري، لم يجز أن يكون الباري بأنه شاء لوجودها.
كما لا يجوز أن يوصف بأنه شاء لوجود نفسه، ولأن ما تعلق وجوده بمشيئة شاء وجب أن يكون وجوده بعد المشيئة، ولأن مشيئة الموجود لما ليس في حال المشيئة لمعدوم، ولا يقوم في وهم. وإنما يتصور في مثل هذا أن يقال: أنه شاء لبقاء الموجود وذلك أيضا لا يصح، لأن الجواهر أن لم تزل موجودة معه، فوجدها معلوم بمشيئته. وإذا كانت موجودة لا بمشيه لم يحتج في بقائها إلى مشيئة، لأن القديم لا يجوز عليه العدم وبالله التوفيق.
ويقال له: إذا نفي عن الباري صفة الإبداع، دليلك على وجوده؟ فأنا إذا نستدل على وجوده، فوجدنا آثار الحدث في عامة الموجودات، واقتضائها محدثا، فإن لم تكن الموجودات محدثات فيما إذا عرفت أن لها بارئا وأثبته.
فإن قال: وجب عن وجوده وجودها من غير اختيار كان منه ولا إرادة، دخل عليه ما ذكرت في الوجه الأول، وهو أن يقال له: محدث بعد أن لم تكن أو لم تزل موجودة معه.
فإن قال: لم تزل موجودة معه. قيل له: فما الفصل بينك وبين من قال: أنها علة لها؟ وقيل أيضا عن الدليل الذي دله مع هذا القول على التمادي ولن تجد إليه سبيلا.
ويقال له: ما أنكر أن هذا حكم فاسد، لان وجود غيره من قبل اقتضائه إياه يحل قدم ذلك الغير، لأن القديم هو الموجود لنفسه لا لسبب فإن كان لوجوده سبب كان موجودا من قبل ذلك السبب، ولم يستحق الوصف بالموجود إلا من جهته خاصة، فثبت أن الجمع بين إثبات القديم لغيره ووصفه بان وجوده كان من قبل انقضائه إياه قول متناقض وحكم فاسد.