أن الاستثناء في قوله عز وجل:{فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} راجع إليهم يدعوا إلى انتهائها، والله أعلم.
وأما أنه {لا إله إلا الله} فدلالته إثبات الصانع الواحد لاقتضاء الصنع إياه فالصنع يقتضي الصانع، ولكنه لا يقتضي عددا، وفي وجود الصانع الواحد ما يقوم به الصنع، فلم يجز إثبات صانع آخر غير مشاهدة ولا دلالة عقل بوجه من الوجوه.
وأيضا فإنه لو كان صانعات لم يخل من أن يقدر بكل واحد منهما على قهر الآخر ولا يقهر عليه، فإن كان يقدر عليه، فالمقدور عاجز، وإن كان لا يقدر فهما عاجزات، والعاجز لا إلها.
وأيضا فلو كان إلهان لكان من حق كل واحد منهما أن يكون تام القدرة نافذة الأمر، وإذا وقع منهما القصد إلى الخلق، أن يخلق منهما التدبير، فيرجع أحدهما غير ما يريده الآخر، يفعله الآخر ليظهر بذلك الإلهية وقدرته، فإن ذلك أن لم يكن وقع الخلق والتدبير منهما متفق، لم يعرفا إذا كان الإله إنما يعرف بما كان من أفعاله فإذا لم يظهر فعلا، لم يمكن أن يكون فاعلهما واحدا، لم يعرف الفاعلان، فلو كانا، ووقع ذلك منهما لم يخف في هذا العالم آثارهم، ولزال النظام عنه، وغلب التفاوت عليه، وفي وجودنا إياه متسعا مطردا على ضرب واحد من ضروب التدبير لا تفاوت فيه ما دل على أن خالقه مدبره واحد.
فإن قيل: ما أنكرت إنهما إلهان قادران حكيمات فلا يختلفان، لأن ما يريده أحدهما لا يخلو من أن يكون حكمه، فلو خالفه الآخر لم يكن حكيما، وفي كونهما حكيمين ما أحال أن يكونا متخالفين.
قيل: إن كانا حكيمين ما تختلف أفعالهما إذا فعلا ليظهر كل واحد منهما بأفعاله التي لا يمكن أن تكون واقعا من الذي وقعت منه أضدادها فإن الحكمة لا تطلق التلبيس، ومن التلبيس أن لا يفعل كل واحد منهما إلا ما يريده الآخر، لأنه لا يظهر بالفعل الواحد أن له فاعلين إذا كان الفعل لا يقتضي لوجوده وتيسره إلا فاعلا، والعدد ليس من شرطه