يصفونها به أن تكون قديمة. فأما إذا كلموا فيها على سبيل الإنكار، فقد قيل لهم: إن النفس ليست تكون حببا، فوقع العلم به ضرورة ولا ببديهة العقل، والنظر لا يوجبها، وضر الصادق الذي يلزم الحجة بمثله لم يأتنا به، فلم يستغني إثباته؟ فقالوا: بل النظر يدل عليها لأن الأصل الحي العاقل الناطق الحساس الدراك إذا لم يفقد من أعضائه وجوارحه شيئا.
ومع ذلك فإن العقل والبيان والإدراكات كلها ترتفع عنه وتزيله. فدل ذلك على أنه كان لهذه المعاني قبل الموت حامل سوى البدن يحملها كلها من صفاته، وإنما إنما عدمت وارتفعت لزوال ذلك الحامل وانقطاع مجاورته للبدن.
ولولا أن هذا هكذا لوجب أن يترفع ولا يعدم مع بقاء البدن برمته، فقيل في الانفصال عن هذا أن الله عز وجل ركب العقل في القلب وكل نوع من الحسن في جارحة تختص به، والبيان في اللسان. وجعل كل عضو مما ذكرت متيسرا لما هيأه له بالروح الذي جعله سببا للحياة، فإذا نزع الروح من البدن، زال تيسر القلب للعقل وتيسر الأعضاء الحساسة، وتيسر اللسان للنطق والبيان، وفي تنزيل الأمر على هذا بيان أن لا ضرورة إلى إثبات شيء يدعى نفسا سوى الروح والبدن وإحيائه بهذه الأمور إليه وبالله التوفيق.
ولا أعلم في الاعتراف بها ضررا عائدا على الدين بوجه من الوجوه، وقد قال الله عز وجل في كتابه:{يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.وقال:{ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها}. وقال:{والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم}. وقال:{كل نفس ذائقة الموت}. وقال:{إن النفس لأمارة بالسوء}. إلى غير ذلك من آيات كثيرة.
ومع هذا فانا نقر مع السائل في الثواب والعقاب تلجأ إلى إثبات النفس على ما سيجيء بيانه.
وكذلك ما وصف الله تعالى الشهداء من أنهم أحياء عنده، وذهب إليه ابن عباس من