قال الله عز وجل:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، والعلم بهذه المحسوسات إنما يقع له بالاستدلال والنظر، وأصلهما التفكر المشاء إليه بقوله عز وجل:{أو لم يتفكروا في أنفسهم، ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} وقوله: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}. وقوله:{ويتفكرون في خلق السموات والأرض} فثبت بذلك أن حفظ الإيمان بإدامة التفكر والنظر في الآيات والفكر ليرسخ في القلب منه ما علق به، ويزداد على الأيام تأكدا بازدياد الشواهد التي تدرك بالفكر ووضحها على الأيام، من أحق الأمور بصرف الهم إليه، والعكوف في أكثر الأوقات إليه، وبالله التوفيق.
فصل
فأما ما وراء إثبات الصانع جل جلاله من التوحيد والتقديس، فإن دلائل التوحيد كثيرة، فمنها ما يستدل به على أنه لا قديم سواه، ومنها ما يستدل به على أن لا إله سواه. فأما أنه لا قديم سواه، فإن الكلام فيه مع الذين يثبتون نفسا قديمة ومادة قديمة. والذي حملهم على هذا استنكارهم حدوث شيء لا من شيء، فقد تقدم القول على هذا، وما يقربه وثبته ما فيه كفاية.
وأما النفس، فقد اختلف متكلموا المسلمين فيها، فمنهم من أثبتها، ومنهم من لم يعترف بها، وإن ثبت وجودها فلا سبيل للملحدين إلى دعوة التقدم، أما إذا كانوا بأنفسهم يقولون أنها نزلت من عالم لها علوي، إلى هذا العالم السفلي، وتشبثت بالجواهر، وإنها منق بل كانت عاملة، فلما حلت ما ليس من جنسها بسبب وغفلت، فاحتيج إلى تذكريها، والمتعلم هو التذكير، وإنما تجاور أبدان الحيوانات قسرا لا اختيارا ثم تفارقها عند الموت وترجع إلى عالمها.
ومن تأمل أن هذا كله تغير وتغلب، والقديم لا يتغير، فلا يكون له أحوال، فبطل بما