فلا يمكن أن تكون مدبرة، والدليل على خلوها عن الحياة، لزوم التسخير إياها حسب لزوم إحراق النار، والترطيب بالماء.
والله جل جلاله إذا أشعر الحياة خلقا أشعره أثرها وهو الإرادة والاختيار، فلما لم يكن للكواكب في سيرها واستقامتها ورجوعها واحتراقها وغير ذلك من أحوالها اختيار علمنا أنها ليست مجية، والفلك نفسه ليست توجل الحركة الدائمة منه اختيارا، ولا سبيل له إلى السكون، فعلمها أنها مسخرة حية مريدة مختارة، فأنا موصوفة بالملائكة لا يختلف حالهم في طاعة الباري جل جلاله، فلا يدل ذلك على أنهم ليسوا بإحياء، ولكنهم أموات مسخرون.
قلنا: وجود الخلاف فيهم ممكن عندنا، وقد كان ذلك فيما اقتضه الله جل ثناؤه علينا في شأن آدم إلا أنهم قاموا بعد، ورجعوا إلى ما كان أولى بهم. فثبت أنهم مختارون للطاعة على المعصية بفضل ما عندهم من المعرفة، وفي أنفسهم من المخافة، وتلك الطاعة لهم عبادة.
ومن يخالفنا لا يقول: إن حركات الأفلاك والكواكب عبادة منها وطاعة، ولا يمكنه أن يدعي ذلك أبدا، فأني يجوز له أن يناقضنا بالملائكة، وأيضا فإن سيرها في أفلاكها إنما هو كما ركب الله في ذلك السير من منافع غيرها به فهو يجري الماء في الأنهار، وليس ذلك إلا من قبل الاختيار، ولا هو عبادة للماء ولا طاعة منه، فكذلك تسير الكواكب في أفلاكها.
فإن قال: كيف يجوز أن تكون تلك الأجسام العلوية على شرفها وفضلها مبرا بما أوتيته الأجسام السفلية من صفات الحياة والسمع والبصر، بل إذا كانت هذه في انحطاط أقدارها على أقدار العلوية مكرمة بهذه الصفات، فالعلوية أولى وأحق بأن تكون مكرمة بها.
قيل له: أن الأرض هي التي تكون في مقابلة السماء، وليست حية عاقلة سميعة بصيرة، فيكون لك أن تقول: أنها إذا كانت بهذه الصفات، فالسماء أولى أن تكون كذلك، إذ هي أشرف وأفضل، ولا كل ما في الأرض من الزين جائز لهذه الصفات، ونقول: إن ما في السماء من الكواكب التي هي زينة لها بوجوب هذه الصفات لها أحق وأخلق، وإنما الحياة والعقل والسمع والبصر في الأرض للناس، خاصة الذين هم سكان الأرض المكلفون المتعبدون فيها، فبإزائهم الملائكة في السموات.