ولسنا ننكر أن يكونوا أحياء فاعلين يسمعون ويصبرون، وإن يكونوا فيما لهم من هذه الصفات فوق لناس، فمن أين يلزمنا وراء ذلك أن نقول: أن الأفلاك والكواكب أحياء يعلقون ويسمعون ويبصرون، كلا ما يلزمنا ذلك بوجه من الوجوه وبالله التوفيق.
فإن سئل سائل عن الكواكب: هل يجوز إضافة شيء من الكوائن التي تكون في هذا العالم ألها؟
فيل له: أما القول بأنها أحياء عاقلة، سميعة بصيرة، دبر ما تحتها فباطل، ولو ثبت أنها أحياء لكانت إضافة الفعل إليها من حيث هي في هذا العالم من غير سبب يتصل بينها وبينه باطلا، لأن الجسم إنما يفعل في نفسه، ثم قد يتأثر غيره عنه لافصاله به، ولا يمكن أن فعل الجسم في غيره، وهذا كمن يدفع رجلا فيندفع، فتكون حقيقة ذلك أنه جمع قوته في آلة دفعه، ثم قرنها من أراد دفعه والصقها به واعتمد عليها بجهده، فكان فاعلا ذلك كله في نفسه، ثم أن الذي ألصق نفسه به واعتمد بقوته عليها بجهده فكان فاعلا ذلك كله في نفسه، ثم إن الذي الصف نفسه به واعتمد بقوته عليه، لما لم يكن فيه متحمل له اندفع به، فكان الاندفاع أثرا حادثا في المدفوع عن الدافع لاتصال به.
ولو أراد رجل من أقوى الرجال وأشدهم أن يدفع آخر عن مكانه وهو ناء عنه من غير سبب فيصل منه، ما استوي ذلك ولا قدر عليه.
وليس الفعل في الغير إلا ممن يستحيل الفاعل منه في نفسه، وذلك هو أن الله جل ثناؤه الذي ليس بجسم، ولا يجوز عليه أن تحله الأعراض والحوادث، فمن أدى ذلك لكواكب فهو مبطل في دعواه.
وأما القول بأن منها مطبوعا بالحرارة والبرودة والرطوبة أو اليبوسة، وأنه قد يكون لبعضها بعض اتصال ممتزج منه طبائعها، ثم ينادي تلك الطبائع بالمجاورة إلى الجو بمجاورته الأرض إلى الأرض، فيكون سببا لآثار تحدث في الأجسام الأرضية عنها. ف ذا قد يكون إلا بان تلك الآثار حينئذ تكون أفعالا لله جل ثناؤه، لا للكواكب، وليس ذلك بأكثر من حياة الأرض الميتة بالماء الذي يساق إليه، ثم لا يجوز أن يظن به فعلا، فضلا عن أن يقال: أن تنقل الكواكب وتبدل أحوالها مواقيت لا قضية الله تعالى وأقداره.
فكما أنه جعل دلوك الشمس ميقاتا للصلاة، ولا يضاف وجوب الصلاة إلى الشمس،